مداومة ذكره والعمل بآدابه (عليه السلام) الثاني والستون والثالث والستون مداومة ذكره والعمل بآدابه. بيان ذلك، أنه لا ريب بدلالة الأخبار الكثيرة القطعية المروية عنهم (عليهم السلام) في أن الإمام (عليه السلام) ناظر إلينا، وشاهد علينا ومطلع على حالاتنا في حركاتنا وسكناتنا فأنت في كل حال وفي كل مكان نصب عينيه فإنه عين الله الناظرة وأذنه السامعة فإذا علمت ذلك وأيقنت أنك نصب عينه وحذاء وجهه لا جرم جعلته نصب عينك ونظرت إليه بعين قلبك، بل كونه نصب عينك لازم كونك نصب عينه وغير متوقف على جعلك وهذا ظاهر لا يخفى لمن لا تكون عين قلبه عمياء * (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) * وإذا علمت أنه نصب عينك، فلا جرم كان همك في رعاية آدابه ومراقبة الأدب والإتيان بما هو وظيفتك بالنسبة إليه، بحسب مراتب معرفتك، وإن لم تره بعين رأسك.
مثال ذلك: إنه لو حضر رجل أعمى في مجلس السلطان وقام بين يديه لرعى جميع الآداب التي ينبغي رعايتها بحضرة السلطان كما يرعاها المبصرون الناظرون إليه، القائمون بين يديه مع أن الأعمى لا يراه ولا يمكنه النظر إليه، وليس ذلك إلا بسبب علمه بكونه نصب عين السلطان وكون السلطان نصب عينه وإن كان لا يبصره بعينه وهذا حال المؤمن في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) عن أعين الأنام لأنه لأجل إيمانه ويقينه يعلم علما قطعيا بأنه في جميع أحواله نصب لعين إمامه فإمامه نصب لعينه وإن كان لا يراه بعينه فيجعل همه في رعاية آدابه ومراقبة وظائفه بالنسبة إلى جنابه.
- وتبين ذلك كله في كلام مولانا أمير المؤمنين في حديث رواه رئيس المحدثين الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين (1) بإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال في خطبة له على منبر الكوفة: اللهم إنه لا بد لأرضك من حجة لك على خلقك، تهديهم إلى دينك، تعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك، ولا يضل أتباع أولئك بعد إذ هديتهم، إما ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم مترقب إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنتهم لم يغب عنهم علمه، وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون.