مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٢١٨
هذا الأمر مما يكلف به الناس عموما وجوبا أو استحبابا ولا يتعرض أحد منهم لذكره ولا يسمع منهم في محاوراتهم ومكالماتهم، ولا يعنون في محافلهم ومجالسهم أليس ذلك إلا لوضوح عدم مشروعية المصافقة بعنوان المبايعة، إلا مع المعصوم أو نائبه الخاص وتوافقهم على ذلك بحيث لم يذكر ذلك أحد منهم على سبيل الاحتمال كما هو دأبهم في كثير من المسائل الفقهية. نسأل الله تعالى العصمة من الخطأ والخطل في القول والعمل.
ولما كان كتاب هذا الشخص فارسيا رأينا أن نذكر حاصل كلامه هنا بالعربية فنقول إنه قد استدل لاستحباب البيعة في هذا الزمان ونحوه بقوله تعالى * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) * فقال: معلوم أن ما وعد الله عليه أجرا عظيما ويكون بمنزلة الوفاء بعهد الله فهو مستحب مؤكد إن لم يكن واجبا.
ثم قال: إن الأصل في كل فعل وترك يكون مقدمة لإطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) في رسالته الرجحان.
ثم قال بعد كلام له: إذا ثبت الرجحان فيكون راجحا للإمام ونوابه بدليل أصالة الاشتراك.
هذا محصل كلامه في إثبات مرامه وأنت خبير بأن مثل هذا الكلام لا ينبغي أن يصدر من العلماء الأعلام، لأن الآية الشريفة إنما دلت على وجوب الوفاء بالمبايعة التي صدرت ممن بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن من وفى فله أجر عظيم ومن نكث فقد أضر بنفسه وحاق به سوء علمه، وفساد ضميره، وخبث سريرته، ولا دلالة لها على رجحان مبايعة غير النبي (صلى الله عليه وآله) فإثبات مقصود هذا المستدل بهذه الآية دونه خرط القتاد.
وأما الأصل الذي ذكره ففيه أولا أن رجحان ما يتوقف عليه إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) أمر عقلي، لا يوصف بالاستحباب الشرعي الذي له أجر وثواب زائد على أصل العمل الذي أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) فهو من قبيل طلب الماء لتحصيل الطهارة. فإثبات الاستحباب الشرعي بذلك مما يأباه أصاغر الطلبة فضلا عن أكابر العلماء.
وثانيا: أنه لا تتوقف إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله) في رسالته وأحكامه على المبايعة بالمعنى المذكور أصلا، بل هي فعل كسائر الأفعال، مما يجب أخذ حكمها عن النبي (صلى الله عليه وآله) ففي كل مقام ثبت أمره أو نهيه وجب امتثاله وإطاعته فعلا أو تركا وفي كل مقام لم يثبت عنه أمر ولا نهي، فإن كان من الأمور العادية كالأكل والشرب وغيرهما من الأفعال والعاديات فإن أتى به المكلف
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»