مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ٢١٧
وأما ثالثا: فعلى فرض عدم ثبوت الاختصاص نقول إنما يجوز تصدي الفقيه لما ثبت شرعيته. وشرعية مبايعة غير المعصوم أو نائبه الخاص المأمور بأخذ البيعة من الناس للمعصوم غير ثابتة.
فإن قلت: يمكن إثبات شرعية ذلك بالآيات الدالة على رجحان المتابعة والتأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) كقوله تعالى * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) * وقوله تعالى: * (ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) * ونحوها، وجه الاستدلال أن الآيات دلت على حسن اتباع النبي (صلى الله عليه وآله) في أفعاله، ومن أفعاله التي صدرت منه بشهادة الآيات والروايات مبايعة المؤمنين والمؤمنات فيستحب لهم التأسي به في المبايعة والمصافقة.
قلت أولا: إن دلالة الآيات المذكورة على وجوب التأسي والاتباع في تمام الأفعال الصادرة عنه أو استحبابه غير ظاهرة كما حققناه في محله، بل هي ظاهرة في وجوب الإيمان به، وامتثال أمره ونهيه. وتفصيل الكلام في هذا المقام يوجب الخروج عما هو المقصود والمرام.
وثانيا: لو فرض ثبوت دلالتها على رجحان المتابعة مطلقا، قلنا: إنها إنما تدل على رجحان الإتيان بالفعل الصادر عنه على النحو الذي صدر عنه وذلك ممتنع فيما نحن فيه، لأن البيعة الصادرة في زمانه كانت مقيدة بمصافقة يده الشريفة أو كانت بأمره، كما أن مبايعة مسلم بن عقيل كانت بأمر مولانا الحسين (عليه السلام).
أما في مثل زماننا هذا فجواز المبايعة على وجه المصافقة مما لا دليل له، فهي من البدع المحرمة التي توجب اللعنة والندامة، وبهذا يتبين لك وجه قول مولانا الصادق (عليه السلام) في حديث مفضل السابق: كل بيعة قبل ظهور القائم.. الخ.
ومما ذكرنا لك يظهر فساد ما زعمه بعض العلماء الزنجانيين في كتابه المعمول لصيغ العقود حيث إنه جزم باستحباب مبايعة الفقهاء واخترع صيغة لعقد المبايعة وتكلم في أنه من العقود الجائزة أو اللازمة ومما يدل على فساد زعمه ما اعترف به في أول كلامه من أن عقد البيعة وصيغته ليس مذكورا في كتب أحد من العلماء من المتقدمين والمتأخرين.
أقول: أنظر أيها الفطن العاقل هل يتصور عادة أن يغفل جميع العلماء من زمن الأئمة المعصومين إلى زماننا هذا عن أمر شائع اسمه في القرآن المجيد والأخبار العديدة، ويكون
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»