مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ٢ - الصفحة ١٥٩
- وقد روى رئيس المحدثين (رضي الله عنه) في كتاب كمال الدين (1) بإسناده عن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد، يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى في عيني، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا إلا ما لقيني.
- في البحار (2) هكذا: إلا مثل لعيني عن عوائر أعظمها وأفزعها، وتراقي أشدها (3) عن غوائل أعظمها، وأفظعها وبواقي أشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها، وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة أو حلت به من الدهر بائقة فقلنا لا أبكى الله يا بن خير الورى عينيك، من أية حادثة تسترق (4) دمعتك وتستمطر عبرتك، وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟ قال: فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه، وقال: ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الذي خص الله به محمدا والأئمة من بعده (عليهم السلام). وتأملت مولد غائبنا (5) وغيبته، وإبطائه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله جل ذكره: * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) * يعني الولاية فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان.
فقلنا يا بن رسول الله كرمنا وفضلنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك

1 - كمال الدين: 2 / 352 باب 33 ح 50.
2 - البحار: 51 / 219 ح 9.
3 - في نسخة: وأنكرها.
4 - في نسخة: تستذرف.
5 - في نسخة: قائمنا.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»