فيوض الفائضة من بدء الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة والأوقات، هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة، والنشأة الأخرى وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى. إذ لا بخل في المبدأ وإنما النقص من القابل، وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهية فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله تعالى، يصلي عليهم، ولا يرد هذا الدعاء لأن المبدأ فياض، والمحل قابل، وببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق كما إذا جاء أعرابي، أو كردي غير مستأهل لشئ من الإكرام إلى باب سلطان، نافذ حكمه في الأنام، فأمر له ببسط الموائد واختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل، وسخافة الرأي، بخلاف ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته، وأمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكل منها، يكون مستحسنا، بل لو منع منها يكون مستقبحا بظاهر النظر. إنتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: لا يخفى أن هذا الوجه يجري في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه حرفا بحرف وهذا واضح بأدنى نظر لمن تبصر واعتبر.
الوجه العاشر: ما ذكره هذا الفاضل العلام في ذاك المقام أيضا، فقال: إنهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا، لعدم ارتباطنا بساحة جبروته، وبعدنا عن حريم ملكوته، فلا بد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية، وحالات بشرية، يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى، يأخذون عنه، ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق، يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم.
ولذا جعل الله سفراءه وأنبياءه ظاهرا من نوع البشر، وباطنا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم، ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون: * (إنما أنا بشر مثلكم) * لئلا ينفر عنهم أمتهم، وليقبلوا منهم، ويأنسوا بهم فكذلك في إفاضته سائر الفيوض والكمالات.
هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات، فكل فيض وجود يبتدئ بهم، ثم ينقسم على سائر الخلق، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها، وللفيوض إلى مقسمها، لتنقسم على سائر البرايا، بحسب استعداداتها وقابلياتها. إنتهى كلامه قدس سره.