مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٣٣٤
الأمر مع كونه عاليا بالنسبة إليهم، ففيه وجهان على سبيل منع الخلو: أحدهما: أن يكون المفعول محذوفا أي فماذا تأمرون العساكر؟ وعلى ذلك فاستعمال الأمر في معناه الحقيقي، لعلو الأمراء بالنسبة إلى العساكر. وثانيهما تنزيلهم - أي المخاطبين - بهذا الخطاب منزلة العالمين مجازا لبعض المناسبات والله العالم.
فظهر بهذه المقدمة أن الطلب الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بأي لفظ صدر ولو بلفظ السؤال كما في تلك الآية الشريفة، بأن يكون التعبير عن الأمر بلفظ السؤال، إما تواضعا وهضما لنفسه الشريفة، التي هي مصدر الكمالات الظاهرية والباطنية.
- كما قال (صلى الله عليه وآله) في الحديث النبوي المعروف: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وإما تنزيلا للمخاطبين منزلة العالين رفقا بهم وتلطفا، ليتفيؤوا إلى أمره صلوات الله عليه هذا إذا قلنا باستفادة وجوب المودة عن قوله (صلى الله عليه وآله) * (لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (1) فإن معناه أن مطلوبي الراجع إلي منكم منحصر في ذلك.
ويمكن استفادة الوجوب من خصوص خطاب الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله) بقوله * (قل لا أسألكم) * (الخ) الظاهر في وجوب مطالبته هذا الحق منهم عليه (صلى الله عليه وآله) ولو لم يكن أداء هذا الحق واجبا عليهم، لما أوجب مطالبته منهم عليه كما لا يخفى.
المقدمة الثانية قد حققنا في علم أصول الفقه، أن الأمر ظاهر بإطلاقه في الطلب الحتمي بمعنى أن نفس الأمر حقيقة في الطلب وبعبارة أخرى ليس مفاد الأمر إلا الطلب، والطلب المطلق الخالي عن القرائن الحالية، أو المقالية الداخلية أو الخارجية منصرف في العرف إلى الطلب الحتمي، ظاهر فيه.
وآية ذلك أنا نرى في الأوامر الصادرة من الموالي إلى العبيد ومن يحذو حذوهم، أن المخاطبين بها لا يتأملون في حتمية تلك الأوامر عليهم بل ينبعثون وينهضون بجبلتهم إلى إيجاد ما أمروا به من دون تأمل في أن ذلك الطلب هل هو حتمي أم لا؟.
ونرى أيضا بالعيان أنهم لو لم يفعلوا ذلك أو تأملوا فيه وقعوا في معرض الذم واللوم

(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»