موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وأكب على قدمه ثم قال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك، فلما رأى الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز وجل، فلم يزدهم على أن قال: أرجو أن يعجل الله فرجكم، ثم غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد من الأولى، وكانت نيفا وخمسين سنة، اشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه، فبعثوا إليه بأنه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيب نفوسهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله. فأوحى الله عز وجل إليه: قل لهم قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم الحمد لله.
فقالوا: كل نعمة من الله، فأوحى الله: قد جعلتها عشرين سنة. فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله، فأوحى الله عز وجل إليه: قل لهم لا يرجعوا، فقد أذنت في فرجهم، فبينما هم كذلك إذ طلع موسى راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم فقال الفقيه: ما اسمك؟ قال: موسى، فقال: ابن من؟ فقال: ابن عمران.
قال: ابن من؟ قال: ابن قاهب بن لاوي بن يعقوب. قال: بماذا جئت؟ قال: بالرسالة من عند الله عز وجل. فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم وطيب نفوسهم ثم أمرهم ثم فرقهم، وكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم لغرق فرعون لعنه الله أربعون سنة (1).
السادس: غيبة أوصياء موسى: أولهم يوشع بن نون فإنه قام بالأمر بعد موته صابرا من طواغيت زمانه على الجهد والبلاء حتى مضى منه ثلاث طواغيت فقوي بعدهم أمره، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله تعالى، وأسر صفراء بنت شعيب ثم قال لها: قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن تلقي نبي الله موسى فأشكو ما لقيت منك ومن قومك. فقالت صفراء: واويلاه والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتك حجابه علي وخرجت على وصيه بعده (2).
واعلم أنه قد وقع مثل هذا في هذه الأمة حذو النعل بالنعل، فإن وصي نبي هذه الأمة