إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري - ج ١ - الصفحة ٢٥٢
من يهرب ويسبي ذراريهم، فاصطفى من السبي من أهل بيت يهودا أربعة نفر فيهم دانيال، واصطفى من ولد هارون عزيرا، وهم حينئذ صبية صغار فمكثوا في يده، وبنو إسرائيل في العذاب المهين، والحجة دانيال أسر في يد بخت نصر لعنه الله تسعين سنة، فلما عرف فضله وسمع أن بني إسرائيل ينتظرون خروجه ويرجون الفرج من ظهوره وعلى يده، أمر أن يجعل في جب عظيم واسع ويجعل معه أسد ليأكله، فلم يقربه وأمر أن لا يطعم، وكان الله تبارك وتعالى يأتيه بطعامه وشرابه على يدي نبي من أنبيائه، فكان دانيال يصوم النهار ويفطر بالليل على ما يدلى إليه من الطعام.
واشتدت البلوى على شيعته وقومه المنتظرين لظهوره وشك أكثرهم في الدين لطول الأمد، فلما تناهى البلاء بدانيال وقومه رأى بخت نصر لعنه الله في المنام كأن ملائكة السماء هبطت إلى الأرض أفواجا إلى الجب الذي فيه دانيال مسلمين عليه يبشرونه بالفرج، فلما أصبح ندم على ما أتى إلى دانيال، فأمر بأن يخرج من الجب فلما خرج اعتذر إليه ما ارتكب منه، ثم فوض إليه النظر في أمور ممالكه والقضاء بين الناس، فظهر من كان مستترا من بني إسرائيل، ورفعوا رؤوسهم واجتمعوا إلى دانيال موقنين بالفرج، فلم يثبت إلا القليل على ذلك الحال حتى مات، وأفضى الأمر بعده إلى عزير فكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون منه معالم دينهم، فغيب الله تعالى عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا وترعرع، فظهر وله تسع سنين فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكرهم بأيام الله عز وجل، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل وأن العاقبة للمتقين، ووعدهم الفرج بقيام المسيح بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول، فلما ولد المسيح أخفى الله ولادته وغيب الله شخصه، لأن مريم لما حملته انتبذت به مكانا قصيا، ثم إن زكريا وخالتها أقبلا يقصان أمرها حتى هجما عليها وقد وضعت ما في بطنها وهي تقول: * (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) * (1) فأطلق الله تعالى ذكره لسانه بعذرها وإظهار حجتها، فلما ظهر اشتدت البلوى والطلب على بني إسرائيل وأكب الجبابرة والطواغيت عليهم حتى كان من أمر المسيح ما قد أخبر الله تعالى به.

(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»