بني إسرائيل ضجوا من ذلك وقالوا: تستخلف علينا حدثا وفينا من هو أكبر منه، فدعا أسباط بني إسرائيل وقال لهم: قد بلغتني مقالتكم فأروني عصيكم فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الأمر من بعدي. فقالوا: رضينا. قال: ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه، فكتبوا، ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه، ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسته رؤوس أسباط بني إسرائيل، فلما أصبح فتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت عصا سليمان وأثمرت فسلموا ذلك لداود فقال: إن هذا خليفتي من بعدي.
ثم أخفي سليمان بعد ذلك وتزوج بامرأة استتر في بيتها عن شيعته ما شاء الله، ثم إن امرأته قالت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك، ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي، فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لا يخيبك. فقال لها سليمان: إني والله ما عملت عملا قط ولا أحسنه، فدخل السوق يومه ذلك فرجع ولم يصب شيئا فقال لها: ما أصبت شيئا؟ قالت: لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا.
فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال يومه فلم يقدر على شئ فرجع فأخبرها فقالت:
غدا يكون إن شاء الله، فلما كان اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له: هل لك أن أعينك وتعطيني شيئا؟ قال: نعم، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين. فأخذهما وحمد الله، ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها فأخذه وصيره في ثوبه، وحمد الله عز وجل وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله وفرحت امرأته بذلك فرحا شديدا وقالت له: إني أريد أن تدعو والدي حتى يعلما أنك قد كسبت، فدعاهما فأكلا معه فلما فرغوا قال لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا والله إلا أنا لم نر منك إلا خيرا.
قال: فأخرج خاتمه فلبسه وخر عليه الطير والريح وغشيه الملك، وحمل الجارية ووالديها إلى بلاد إصطخر واجتمعت إليه الشيعة واستبشروا به، ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته، فلما حضرته الوفاة أوحى إلى آصف بن برخيا بأمر الله تعالى، فلم يزل بينهم تختلف إليه الشيعة ويأخذون منه معالم دينهم.
ثم غيب الله تعالى آصف غيبة طال أمدها، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ما شاء الله، ثم إنه ودعهم فقالوا له: أين الملتقى؟ قال: على الصراط، فغاب عنهم ما شاء الله فاشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته، وتسلط عليهم بخت نصر فجعل يقتل من يظفر به منهم ويطلب