واستتر شمعون بن حمون والشيعة، ثم أفضى بهم الاستتار إلى جزيرة من جزاير البحر فأقاموا بها ففجر الله لهم فيها العيون العذبة، وأخرج لهم من كل الثمرات وجعل لهم فيها الماشية، وبعث إليهم سمكة تدعى القمل لا لحم لها ولا عظم وإنما هي جلد ودم فخرجت من البحر، فأوحى الله عز وجل إلى النحل أن يركبها فركبها فأتت بالنحل إلى تلك الجزيرة، ونهض النحل وتعلق بالشجر فعرس وبنى وكثر العسل، ولم يكونوا يفقدون من أخبار المسيح شيئا (1).
فقد روي أن له غيبات يسيح فيها في الأرض فلا يعرف قومه وشيعته خبره، ثم ظهر فأوحى إلى شمعون بن حمون، فلما مضى شمعون غاب الحجج بعده واشتد الطلب وعظمت البلوى ودرس الدين وأميتت الفروض والسنن، وذهب الناس يمينا وشمالا لا يعرفون أيا من أي، فكانت الغيبة مائتين وخمسين سنة (2).
وعن الصادق (عليه السلام): كان بين عيسى وبين محمد خمسمائة عام، منها مائتان وخمسون عاما ليس فيها نبي ولا عالم ظاهر. قيل: فما كانوا؟ قال: كانوا متمسكين بدين عيسى (3).
وأما النبي (صلى الله عليه وآله) فغيبته المشهورة كانت في الغار وكل المسلمين أطبقوا على أن غيبته في الغار إنما كانت تقية عن المشركين وخوفا على نفسه، حتى أنه لو لم يذهب إلى الغار لقتلوه، لأنهم مهدوا له القتل وسول لهم الشيطان وعلمهم لطايف الحيل في قتله، وأخذ معه أبا بكر خوفا منه أيضا لئلا يدل الناس عليه كما قالوه في كتبهم، واستشهد العامة بهذا بأنه فوق الصحابة، وجوابه هو الذي أجاب به إمام زماننا في سؤالات سعد بن عبد الله وذكرناه بعيد هذا في الفرع التاسع من الغصن الخامس في عداد التوقيعات.
أقول: الثامن ممن غاب سليمان بن داود. والتاسع آصف بن برخيا غاب عن قومه مدة طال أمدها ثم رجع إليهم. والعاشر دانيال. والحادي عشر عزير. والثاني عشر مسيح (4).
وغيبة نبينا ثلاث سنين في شعب أبي طالب حين حاصر قريش بني هاشم، وله غيبة أخرى قبلها، بمعنى اختفائه بالدعوة خمس سنين وذلك بعد البعثة حتى أنزل الله عز وجل