ويجعل له وصيا ترجع الناس إليه فيما تحتاج من أمر الدين والدنيا، وكلها محتاجة إليه وهو مستغن عن جميعهم، وأنت تقول إن نبيك لم يعين للناس خليفة وإماما يرجعون إليه فباعترافك إن نبيك لم يكن نبيا مرسلا من الله تعالى لأن من لوازم النبوة التي لا تنفك أن يكون للنبي (ص) وصيا، وأنت نفيت ذلك عن نبيك فعلم إنه غير نبي، ثم التفت الجاثليق إلى أصحابه وقال لهم: إن هذه الجماعة تقول إن نبيها لم يكن نبيا وإنما تسلطه على الناس كان بالقهر والغلبة إذ لو كان نبيا لعين له وصيا ترجع الناس إليه، ولاحتذي حذو من سبقه من الأنبياء، ثم التفت إلى أبي بكر وقال: يا شيخ أما أنت فقد أقررت بأن نبيك لم يوصي ولم يعهد إلى أحد، وأقررت بأنك لست بخليفة منصوب من قبله، وإنما الناس اجتمعت عليك فأمرتك عليهم واستخلفتك وجعلتك بمقام نبيهم، ومتى جاز على الله أن يوكل ذلك إلى اختيار الخلق ويمضي اختيارهم ويرضى به فأي داع بعد إلى بعث الرسل ولم لا يوكل ذلك أيضا إلى اختيار الأمة؟ وكذا أي موجب لإنزال الكتب وأمر الأنبياء بنشر أحكامه لتعرف الناس الحلال من الحرام، والواجب من غيره، فإن تمام الحجة على الخلق لا يتوقف بزعمك على بعث الرسل وإنزال الكتب، لأن إقرارك هذا ينتهي إلى إن الخلق تستغني بعقلهم عن الأنبياء، وإن الله يقرهم على ذلك، وإن الرسل لا تحتاج إلى نصب من يكون علما للأمة، بل يكفي نصبهم له، وعلى خلاف ذلك العقل والنقل بل هو افتراء على الله تعالى، ثم إنك لم تكتف بهذا حتى سميت نفسك بالخليفة، وجلست على دست النبوة وذلك لا يحل إلا للنبي أو لوصيه بعده، ولا يثبت دينك إلا إذا كانت حجته على طبق حجج الأنبياء السابقين وطريقتهم،
(١١٦)