من أصحابنا، ولكن فيه نوع اختلاف باللفظ لا يضر بالمعنى، قال سلمان الفارسي (رحمه الله): لما ابتلت قريش بعد رحلة النبي (ص) بالداهية العظمى والبلية الكبرى، وانكشف غطاء جسدهم وحقدهم لآل الرسول (ص) وبلغ ملك الروم قوة النبي ونزاع أصحابه بعده في الخلافة والإمرة، وادعائهم إن النبي (ص) لم يعهد إلى أحد لا من أهل بيته ولا من الأجانب بل أحال الأمر إلى الأمة وقرنه باختيارها، وإن الأمة بعده تركوا تأمير عترته وذريته وصرفوا الأمر إلى غيرهم فدعى علماء مملكته وذوي البصيرة منهم، وذكر لهم اختلاف قريش بعد نبيهم، وأن النبي (ص) ارتحل من الدار الفانية فلما سمعوا ذلك منه ووعوه طلبوا منه أن يرسل إلى يثرب جماعة من أهل العلم والمعرفة من أتباعه ليتحققوا الحال ويصلوا إلى حقيقة الأمر، وليتعرفوا السبب الذي أوجب تقديم الأجانب على الأقارب على خلاف عادة الأنبياء السالفين، فطلب الملك الجاثليق وكان أكبر علماء أهل مملكته، وأمره بأن يختار من أصحابه الكاملين مائة نفر ويسير بهم إلى طيبة المنورة، ويأتيه بحقيقة الحال، وأمره أن يخاصم أصحاب محمد (ص) وأن يفلجهم لما يعلم من مهارته في الفنون جميعها فأمتثل الجاثليق الأمر وسار مع من أنتخبه وأختاره حتى أناخ على المدينة عند شروق الشمس فلما عقل راحلته واستقر به وبأصحابه المكان نهض بمن معه حتى وافى المسجد والصحابة فيه مجتمعون فحياهم بتحيته وسألهم عن وصي نبيهم وخليفته بعده، فأرشدوه إلى أبي بكر وكان في المسجد جمعا من الصحابة كعمر وأبي عبيدة وخالد بن الوليد وعثمان وغيرهم من المهاجرين والأنصار، فشخصت إليهم الأبصار ورمقتهم العيون لما رأوهم بهيئة حسنة وأخلاق مأنوسة للطبع مستحسنة،
(١١٤)