عن إشرافه إلى قتله ورفع عثمان المصحف الذي كان عنده ودعاء محمد إلى العمل بما فيه حيث قال له الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين وبهذا يندفع أيضا استبعاد الناصب عن حذيفة وزيد تكفيرهما لعثمان كما لا يخفى ثم ما افتراه من ختم عثمان في تلك اللية القرآن في ركعتين ينافي ما روي عنه في روضة الأحباب وغيره من أنه كان في سوء الحفظ والعي إلى غاية عجزه عن قراءة خطبة هياها لأول يوم صعد على منبر الخلافة حيث قال بسم الله الرحمن الرحيم أيها الناس سيجعل الله بعد عسر يسرا وبعد عي نطقا وإنكم إلى إمام فقال أحوج منكم إلى إمام قوال أقول واستغفر الله لي ولكم وفي رواية أنه نسي بسم الله أيضا فقال الحمد لله وانسد عليه طريق التكلم وفي رواية قال إن أعش فاتكم الخطبة على وجهها فتأمل فإن الفكر فيه طويل ثم لا أدري أنه من أين وصل إلى الناصب وإخوانه من أرباب التواريخ أن عثمان ختم القرآن في تلك الليلة وأنه وقع قطرة من دمه على تلك الآية منه ومن الذي أخبرهم بوقوع ذلك في تلك الحال الذي هرب أصحابه من عنده ولم لا يجوز على تقدير رؤيتهم بعد قتله وقوع قطرة الدم على تلك الآية أن يكون ذلك قطرة من دم غيره وضعها مروان على تلك الآية من مصحفه ليعد ذلك من كراماته لا بد لنفي هذا وإثبات ذلك من بيان قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه أقدم على أبي ذر مع تقدمه في الإسلام حتى ضربه ونفاه إلى الربذة أجاب قاضي القضاة باحتمال إنه اختار لنفسه ذلك اعترضه السيد المرتضى بأن المتواتر من الأخبار خلاف ذلك لأن المشهور إنه نفاه أولا إلى الشام فلما شكى معاوية منه استقدمه إلى المدينة ثم نفاه منها إلى الربذة وروي أن عثمان قال يوما أيجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضى فقال كعب الأحبار لا بأس بذلك فقال له أبو ذر يا بن اليهوديين أتعلمنا ديننا فقال عثمان قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي الحق بالشام فأخرجه إليها فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فبعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار فردها عليه وكان أبو ذر يقول والله لقد حدثت أعمال أعرفها والله ما هي في كتاب الله ولا نبيه والله إني لأرى حقا يطغى وباطلا يحني وصادقا مكذبا وأثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية إن أبا ذر أفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة فكتب معاوية إلى عثمان فيه فكتب عثمان إلى معاوية أما بعد فاحمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره فوجهه مع من سار به ليلا أو نهارا وحمله على بعير ليس عليه إلا قتب حتى قدم المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فبعث إليه عثمان وقال إلحق بأية أرض شئت فقال أبو ذر بمكة فقال لا قال ببيت المقدس قال لا قال بأحد المصرين قال لا ولكن مسيرك إلى الربذة فلم يزل بها حتى مات وروى الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان قال له لا أنعم الله بك علينا يا جندب فقال أبو ذر أنا جندب وسماني رسول الله (ص) عبد الله فاخترت اسم رسول الله (ص) الذي سماني على اسمي فقال عثمان أنت الذي تزعم أنا نقول أن يد الله مغلولة وإن الله فقير ونحن أغنياء فقال أبو ذر لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله في عباده ولكني أشهد إني لقد سمعت رسول الله (ص) يقول إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباد الله حولا ودين الله دخلا فقال للجماعة هل سمعتم هذا من رسول الله (ص) فقال علي (ع) والحاضرون سمعنا رسول الله (ص) يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر فنفاه إلى الربذة وروى الواقدي أن أبا الأسود الدئلي قال كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه فنزلت الربذة فقلت له ألا تخبرني خرجت من المدينة طائعا أم أخرجت فقال كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم فأخرجت إلى المدينة فقلت أصحابي ودار هجرتي فأخرجت منها إلى ما ترى ثم قال فبينا أنا ذات ليلة نايم في المسجد إذ مر بي رسول الله (ص) فضربني برجله وقال لا أراك نائما في المسجد قلت بأبي أنت وأمي غلبتني عيني فنمت فيه فقال كيف تصنع إذا أخرجوك منه قلت إذن إلحق بالشام فإنها أرض مقدسة وأرض بقية الإسلام وأرض الجهاد فقال كيف تصنع إذا أخرجوك منها فقلت ارجع إلى المسجد فقال كيف تصنع إذا أخرجوك منه قلت أخذ سيفي فأضرب به فقال (ص) ألا أدلك على خير من ذلك أنسق معهم حيث ساقوك وتسمع وتطيع فسمعت وأطعت وأنا أسمع وأطيع والله ليقتلن الله عثمان وهو آثم في جنبي حقي فكيف يجوز مع هذه الروايات الاعتذار بما قال القاضي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول خروج أبي ذر على ما ذكره أرباب الصحاح وذكره الطبري وابن الجوزي وغيره من أرباب صحة الخبر أنه ذهب إلى الشام وكان مذهب أبي ذر أن قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة محكم غير منسوخ وكنز الذهب والفضة حرام وإن اخرجوا زكاته ومذهب عامة الصحابة والعلماء بعدهم إنها منسوخة بالزكاة فكان أبو ذر تقرر مذهبه واتفق أنه حضر عند معاوية وكان كعب الأحبار حاضرا عند معاوية وكان أبو ذر تقرر مذهبه في الآية فقال كعب الأحبار هذه منسوخة بالزكاة فأخذ لحى بعير وضرب به رأس كعب الأحبار فشجه موضحة فكتب معاوية إلى عثمان يشكوا أبا ذر فكتب عثمان إلى أبي ذر ويطلبه إلى المدينة فجاء أبو ذر إلى المدينة ونصحه عثمان بحسن العشرة مع الناس وإن الناس اليوم ليسوا كزمن رسول الله (ص) وفيهم البر والفاجر اليوم فقال أبو ذر إني استأذن منك أن ألحق بفلاة من الأرض فخرج من المدينة حاجا أو معتمرا فلما قضى مناسكه رجع وسكن بالربذة هذا حكاية سكون أبي ذر بالربذة ولا اعتراض فيه على عثمان واتفق أهل الصحاح من التواريخ على ما ذكرنا فتم اعتذار القاضي لأنه جرى على ما ذكره عامة المؤرخين ومخالفة الواقدي في بعض النقول لا يقدح فيما ذهب إليه العامة انتهى وأقول أولا إن ما ذكره من حكاية خروج أبي ذر ونسبه إلى الصحاح وإلى الطبري وابن الجوزي وغيره من أرباب صحة الخبر يناقض ما ذكره سابقا عند نقل المصنف عن الطبري قصد أبي بكر وعمر لإحراق بيت فاطمة (ع) حيث قال إن الطبري صاحب التاريخ رافضي متعصب هجره علماء بغداد وهجروا كتبه ورواياته وأخباره ثم أحلف بالأيمان المغلظة إنه لم ير هذا الكذاب تاريخ الطبري ولم يجئ إلى عراق العجم من نسخة شئ وما اشتهر بين الناس من المجلدة الفارسية الموسومة بتاريخ الطبري غير ذلك التاريخ فإن ذلك على ما صرحوا به يبلغ عشرين مجلدات لكنه لما علم الناصب بقدر تحقق هذه الكتب في أكثر البلاد سيما في العراق وما وراء النهر الذي ألف فيه هذا الجرح الميشوم عليه وعلى أصحابه أحال على المحال ورام به إظهار التقصي عن الإشكال عند من كان حوله من القاصرين الجهال وبالجملة الذي
(٢٥٦)