التعليقة على الفوائد الرضوية - القاضي سعيد القمي - الصفحة ٦١
" لا موجود سوى الله، ولا هو إلا هو " ربما شملته الرحمة الواسعة الإلهية والفيوضات الكاملة الربوبية، بإرجاعه إلى مملكته وإبقائه بعد فنائه، فيرجع حين يرجع رابحا في تجارته غير خاسر في معاملته، فإنه تعالى أكرم المتعاملين وأجود المتبايعين، فأعطاه تعالى في مقابل تسليم روحه الجزئية روح الكل، وفي مقابل نفسه الجزئية نفس الكل وفي مقابل جسمه الجزئي جسم الكل، فيصير عالم الوجود مملكة وجوده ومقر سلطنته ومسند أمارته.
فإذا علمت ما تلونا عليك فاعلم أن قوله: " بينا أنت أنت صرنا نحن نحن " على وزان قوله: " أيش تقول... إلى آخره " وأنه عليه السلام أراد أن يفهم السائل بطريق آخر أن سؤاله في غير محله، وأن مراتب الوجود مشهوداته بل متدليات بذاته وهي قيوم على كل نفس، وسلسلة الكائنات من الغائبات والشاهدات من أجزاء مملكته وتوابع سلطانه، فقال: " بينا أنت أنت " أي في حجاب التعين وسجن التقيد " صرنا نحن نحن " أي خرجنا عن قيد التعين ووصلنا إلى المقام الإطلاقي، وهو مقام القيام على كل نفس والإحاطة لكل شئ، فقوله: " أنت " إشارة إلى تعين السائل وضيق وجوده، و " نحن " إشارة إلى إحاطته عليه السلام وسعة وجوده، وقوله: " صرنا " إشارة إلى أن هذا المقام تحصيلي يحصل للسالكين بقوة السلوك والفناء التام والتسليم التمام.
وأما وجه كونه هذا جوابا موجزا فلما سيأتي - إن شاء الله تعالى - أن الواحد المتكثر هو المشية المطلقة والفيض المقدس عند نظري القاصر، فعلى هذا يصير قوله عليه السلام - مع كونه ردعا عن السؤال - جوابا موجزا إجماليا عن حقيقة الواحد المتكثر، بل جوابا عن سائر الحقائق التي هي مراتب تنزلات المشية، فإنها ظهرت بها وتذوتت بذاتها وتحققت بحقيقتها، والعلم بالظاهر علم بالمظاهر بوجه بسيط.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست