الأسباب الذاتية أو العرضية أو الاتفاقية، فقولك: " بينا زيد يضرب عمرا إذ مات عمرو " معناه أن الضرب صار سببا لموت عمرو، إذ لو لم يضربه لم يمت.
وبالجملة: من المستبين عند المهرة من أهل اللسان أن لجملة " بينا " دخلا في الجملة الجوابية أي دخل كان، وهذا الذي قلنا يعرفه من له مشرب تام في العلوم الأدبية، ومن ذلك فليتحدس المتفرس سببية قوله: " كنت أنت أنت "، لقوله: " صرنا نحن نحن " وسيجئ زيادة كشف لذلك صريحا إن شاء الله تعالى.
أنت أنت: الخطاب إما أن يتوجه إلى الله صريحا بأن يكون قوله: أنت أنت... إلى آخره.
قد علمت راشدا فيما سبق، وأتاك من التحقيق بما استحق أن للإنسان الكامل والولي المطلق مقام المشية المطلقة التي بها ظهرت الموجودات وتحققت الحقائق وتذوتت الذوات، فهو بمنزلة الأصل وسائر الخلق فروعه، وله الحيطة على مراتب الوجود ومنازل الغيب والشهود، فله أن يقول: " نحن " ويريد كافة الموجودات من بادئ بداية الثابتات الأزلية وخاتم ختام الزائلات الداثرة البالية، فإنها القشر وهو لبها، والصورة وهو معناها، والظاهر وهو باطنها، بل هو الصورة والمعنى والقشر واللب والظاهر والباطن، فروح الولي روح الكل ونفسه نفس الكل وجسمه جسم الكل كما ورد: (أرواحكم في الأرواح ونفوسكم في النفوس وأجسامكم في الأجسام) (1).
وبعبارة أخرى: من سلك سبيل الحق، وخرج عن الأنانية بقول مطلق، وفنى ذاتا وصفة وفعلا وشأنا في الرب المتعال، وسلم مملكة وجوده إلى القيوم ذي الجلال، وأتى الله بقلب سليم، ووصل إلى مقام العبودية بالطريق المستقيم، وتحقق بحقيقة