فأما قوله: (إن الأحوال المتقررة في النفوس بالعادات فيمن نتولاه تؤثر ما لا يؤثر غيرها ويقتضي حمل أفعاله على الصحة والتأول له وتقويته ذلك وتأكيده له) فلا شك أن ما ذكره مؤثر: وطريق قوي إلى غلبة الظن، إلا أنه ليس يقتضي ما يتقرر في نفوسنا لبعض من نتولاه على الظاهر، أن نتأول كلما نشاهد منه من الأفعال التي لها ظاهر قبيح، ونحمل الجميع على أجمل الوجوه وإن كان بخلاف الظاهر، بل ربما يبين الأمر فيما يرجع منه من الأفعال التي لها ظاهر قبيح إلى أن يؤثر في أحواله المتقررة ونرجع بها عن ولايته، ولهذا ما نجد كثيرا من أهل العدالة المتقررة لهم في النفوس ينسلخون منها حتى يلحقوا بمن لم يثبت له في وقت من الأوقات عدالة، وإنما يكون ذلك بما يتوالى منهم ويتكرر من الأفعال القبيحة الظاهرة.
فأما ما استشهد به من أن مثل مالك بن دينار لو شاهدناه في دار فيها منكر لقوي في الظن حضوره للتغيير والنكير، أو على وجه الاكراه والغلط، وأن غيره يخالفه في هذا الباب فصحيح لا يخالف ما ذكرناه، لأن مثل مالك بن دينار ممن تناصرت إمارات عدالته، وشواهد نزاهته، حالا بعد حال، لا يجوز أن يقدح فيه فعل له ظاهر قبيح، بل يجب لما تقدم من حاله أن نتأول فعله، ونخرجه عن ظاهره إلى أجمل وجوهه، وإنما وجب ذلك لأن الظنون المتقدمة أقوى وأولى بالترجيح والغلبة، فنجعلها قاضية على الفعل والفعلين، ومتى توالت منه الأفعال القبيحة الظاهرة، وتكررت قدحت في حاله. وأثرت في ولايته، وكيف لا يكون كذلك وطريق ولايته في الأصل هو الظن والظاهر، ولا بد من قدح الظاهر في الظاهر وتأثير الظن في الظن على بعض الوجوه.
فأما قوله: (إن كل محتمل لو أخبرنا عنه وهو ممن يغلب على الظن