الخير يكلم امرأة حسناء في الطريق، ويداعبها ويضاحكها، ظننا به الجميل مرة ومرات، ثم ينتهي الأمر إلى أن لا نظنه وكذلك لو شاهدناه وبحضرته المنكر لحملنا حضوره على الغلط والاكراه أو غير ذلك من الوجوه الجميلة، ثم لا بد من انتهاء الأمر إلى أن نظن به القبيح ولا نصدقه في خلافه.
ثم يقال له: خبرنا عمن شاهدناه من بعد وهو راكب فرج امرأة نعلم أنها ليست له بمحرم، وإن لها في الحال زوجا غيره، وهو ممن تقررت له في النفوس عدالة متقدمة ماذا يجب أن نظن به؟ وهل نرجع بهذا الفعل عن الولاية، أو نحمله على أنه غالط، ومتوهم أن المرأة زوجته أو على أنه مكره على الفعل، أو غير ذلك من الوجوه الجميلة فإن قال: نرجع عن الولاية اعترف بخلاف ما قصده في الكلام، وقيل له: وأي فرق بين هذا الفعل وبين جميع ما عددناه من الأفعال، وادعيت أن الواجب أن نعدل عن ظاهرها، وما جواز الجميل في ذلك إلا كجواز الجميل في هذا الفعل، فإن قال: لا أرجع بهذا الفعل عن الولاية، بل أتأوله على بعض الوجوه الجميلة، قيل له: أرأيت لو تكرر هذا الفعل وتوالى هو وأمثاله حتى نشاهده حاضرا في دور القمار ومجالس اللهو واللعب، ونراه بشرب الخمر بعينها، وكل هذا مما يجوز أن يكون عليه مكرها، وفي أنه القبيح بعينه غالطا، ما كان يجب علينا من الاستقرار على ولايته والعدول عنها فإن قال: نستمر ونتأول، ارتكب ما لا شبهة في فساده، والزم ما قدمناه ذكره من أنه لا طريق إلى الرجوع عن ولاية أحد، ولو شاهدنا منه أعظم المناكير ووقف أيضا على أن طريق الولاية المتقدمة إذا كان الظن دون القطع، فكيف لا نرجع عنها بمثل هذا الطريق فلا بد إذا من الرجوع إلى ما بيناه وفصلناه في هذا الباب.