الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٧٠
رعية لمن يساويه كما لا يجوز أن يكون رعية لمن يفضله وقبح أحد الأمرين كقبح الآخر، وهذا قد مضى فيما تقدم من الكلام عند دلالتنا على أن إمامة المفضول لا تجوز، وليس يجوز أن يكون خارجا عن رعيته لأنا قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إلى سائر المكلفين، وأنه لا أحد منهم إلا وتجب طاعته عليه، والتصرف على أمره ونهيه، وكذلك نعلم أن إمامة أمير المؤمنين عامة لسائر المكلفين، وأن أحدا منهم لا يخرج عنها لأن كل من أوجبها بعد الرسول صلى الله عليه وآله أوجبها على هذه الصفة، والإجماع يمنع من تخصيصها بعد ثبوتها، فبهذا علمنا أنه لم يكن في أزمانهما عليهما السلام من يساويهما لا من الوجوه الفاسدة التي اعتمدها غيرنا.
فإن قيل: فإذا كانت خلافة هارون لموسى عليه السلام في حياته إنما ثبتت باختياره لأنكم لا توجبون فيما جرى هذا المجرى من الاستخلاف لمن يكون بأمر الله تعالى لأن ذلك يوجب عليكم أن يكون الله تعالى هو الذي ينص على أمراء الإمام وحكامه وقضاته وجميع خلفائه، وكان استمرارها إلى بعد الوفاة إنما وجب أيضا من حيث ثبتت له في الحياة، ولم يجز له صرفه عنها فهو عائد في المعنى إلى أمر غير واجب، بل تابع للاختيار، فيجب أن تقولوا في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه وآله مثل ذلك وتجعلوها راجعة إلى اختيار الرسول لأنها مشبهة بها ومحمولة عليها، ومذهبكم يخالف ذلك.
قلنا: أليس قد بينا فيما تقدم أنه لا معتبر في باب حمل منازله عليه السلام على منازل هارون من موسى بالأسباب والعلل والجهات، وأن التشبيه وقع بين المنازل أو ثبوتها لا بين جهاتها وأشبعنا القول في ذلك فكيف يلزمنا ما ظننته؟ وإنما جاز أن يكون استخلاف النبي صلى الله عليه وآله في حياته موقوفا على اختياره واستخلافه بعد وفاته بنص من الله تعالى، لأن خليفته في حياته لا يجب أن يكون معصوما ولا حجة،
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»