الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٦٦
وليس يجوز أن يكون خليفة له إلا ما يثبت له بالاستخلاف، وكان له التصرف فيه من أجله، وهذا هو العرف المعقول في الاستخلاف، وفي ثبوت هذه الجملة ما يقتضي كون هارون خليفة لأخيه في هذه الأمور، وأن يده إنما تثبت عليها في حال حياته لمكان استخلافه، وإذا كنا قد بينا لو بقي بعده لوجب أن يستمر حاله في هذه الولاية، وأن تغيرها وانتقالها عنه يقتضي ما يمنع ثبوته منه، فقد تم ما قصدناه، ولم نجعل لأمير المؤمنين عليه السلام منزلة لم يعلم ثبوتها لهارون من موسى عليه السلام على ما ظن، ولم يبق في كلامه شبهة تتعلق بها نفس أحد على أنه ابتدأ كلامه في الفصل بما ليس بصحيح، وذلك أنه جعل الاستخلاف مؤثرا وإن انضم إلى النبوة المقتضية لما تضمنه، وقال: " ليس يمتنع أن يكون للحكم الواحد سببان وعلتان " وهذا ظاهر الفساد، لأن الاستخلاف وإن كان متى لم يكن نبوة مؤثرا فإنه لا تأثير له مع النبوة على وجه من الوجوه، ووجوده كعدمه، لأن فائدة الاستخلاف هي حصول ولاية للمستخلف يجب به ويصح فيها تصرف المستخلف بالعزل والتبديل ورفع اليد، فكيف يكون على هذا من له - لمكان النبوة - القيام بأمر من الأمور، سواء كان ما يقوم به الأئمة أو غيره من حقوق النبوة خليفة (1) لغيره في ذلك الأمر ومتصرفا فيه لمكان استخلافه، وكما إن الاستخلاف لا تأثير له إذا طرأ على أمر توجبه النبوة كذلك لو تقدم فأثر ثم طرأت عليه النبوة، واقتضت التصرف في موجبه لمكانها لزال تأثيره، وارتفع حكمه، وكما إن في الأحكام ما له سببان وعلتان كما ذكر، كذلك في الأسباب والعلل ما يكون مؤثرا إذا انفرد وإذا انضم إلى ما هو أقوى منه بطل تأثيره، وهذه الجملة تبين أن استخلاف موسى لأخيه لا بد أن يكون

(1) " خليفة " اسم كان في قوله: " فكيف يكون ".
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»