أطماعهم، فلم يكن يؤمن من جهتهم لو لم يبادروا بالعقد من الفتنة ما لا يتلافى، فأوضح فسادا مما تقدم، لأنه دعوى لا شاهد عليها واخبار على الحال بما لم يظهر له دلالة، ولا إمارة لأنه لم يكن في تلك الحال في المدينة من المنافقين من يعبأ به، ويعتد بمكانه، وإنما كان هناك النفسان والثلاثة ممن قد قمعه عز الاسلام، وطأطأ رأسه، وفل حده، وجعله مغمورا مقهورا لا ملجأ له يأوي إليه، ولا فئة يستنصر بها وقبض الرسول صلى الله عليه وآله والاسلام ممتد الاطناب، مستبد (1) الأصحاب كثير العدد، قوي العدد، ولم يكن للنفاق ولأهله صولة ولا للباطل ولا لأهله دولة، فأي فتنة تتخوفها الألوف الكثيرة من ذوي البأس والغلبة، والتمكن في الاسلام من نفر يسير حقير لا بطش لهم ولا منة؟ وهذا قول يرغب بأهل العلم والعقل عن الاعتماد عليه، والاعتلال في هذا الأمر الجليل بمثله.
ثم يقال لصاحب الكتاب: إذا جاز أن يحمل خوف الفتنة على تأخير المقدم وتقديم المؤخر في باب الفضل فألا جاز أن يحمل خوف الفتنة على العقد للفاسق؟ أو لمن لا علم له جملة ولا فضل، أو لمن هو في أدنى طبقات العلم والفضل، فلا يكون أفضل، ولا كالأفضل.
فإن قال: لأن كونه أفضل ليس من الشرائط الواجبة التي لا بد منها، وإنما هو كالترجيح، وكونه عدلا من الشروط الواجبة كذلك كونه ذا حظ من العلم.
قيل له: هذا اقتراح لا فرق بينك وبين من عكسه، وقال: إن الفضل هو الذي لا بد منه، وإن العدالة هي التي تجري مجرى الترجيح.