يقال له: أما قولك: " إن الواجب علينا منع الباغي من بغيه وتصرفه فيما يتصرف فيه " فلفظ الباغي لفظ مشكل محتمل، فإن أردت به من شق عصا المسلمين، واستبد عليهم بأمورهم، واستولى على حقوقهم، فلا شك في منع من هذه صفته عن تصرفه بالقول والفعل، وليس الخلاف في ذلك، وإن أردت بالباغي من اعتقدت مذهبا فاسدا لشبهة دخلت عليه وكان متحريا في سائر أموره لما يعتقده حقا، فإن هذا إنما يجب منعه بالتنبيه والارشاد والوعظ وإقامة الحجة، ولا يجب بغير ذلك، وإن أردت بقولك: (ومن حق الإمام أن يمنع غيره ولا يمنع) المنع الذي يكون بالقهر والأخذ على اليد فذلك صحيح، وهو لا ينفع في هذا الموضع، وإن أردت الضرب الآخر من المنع الذي هو التنبيه والارشاد فلا إطباق معك عليه.
فأما قوله: " إن الأمير إذا ظهر منه البغي وجب على الإمام عزله " فإن أراد به البغي الذي قلنا إنه يمنع من الإمامة فلا شك فيما ذكره، وإن أراد به ما يرجع إلى الاعتقاد والمذاهب المتأولة فمن يوافقه على وجوب عزل الأمير إذا أظهر ذلك؟ وهل القول في الأمير في هذا الباب عند من ذهب إلى المذهب الذي حكيناه إلا كالقول في الإمام؟.
وأما قوله " إنه لا خلاف في أن العدل ومن كان على الصفات التي تقولها يصح أن يكون إماما ولم يثبت ذلك في الباغي فأكثر ما يقتضيه هذا الكلام أن يقطع على جواز إمامة العدل، ويشك فيمن لم يكن عدلا لأن فقد الإجماع فيمن ليس بعدل إنما يقتضي الشك دون القطع على أن إمامته لا تجوز، وصاحب الكتاب إنما شرع في الدلالة على فساد إمامة من ليس بعدل قطعا لا تجويزا، وهذا الكلام لا يقتضي ذلك.