من صفاته التي لا بد منها في العقل لأن العقل كان يجوز أن لا تقع العبادة بشئ من الشرائع فكيف يجعل من شروط كونه إماما في العقل ما يجوز في العقل ثبوته وانتفاؤه معا، وليس تجري هذه الصفة مجرى العصمة لأن تلك يجب كون الإمام عليها في العقل وقبل الشرع وبعده، غير أنا وإن لم نجعل كونه عالما بجميع الأحكام من الشروط العقلية في الإمامة، فإنا بعد العبادة بالشرائع، وثبوت كون الإمام إماما في جميع الدين نعلم بدليل العقل وقياسه أنه لا بد من أن يكون عالما بجميع الأحكام من الوجوه التي ذكرناها.
فإن أراد صاحب الكتاب بإضافة ذلك إلى العقل ما ذكرناه أولا فقد بينا إنا لا نجعل هذه الصفة من الشرائط العقلية الواجبة لتجويز العقل ارتفاع العبادة بالشرائع، وإن كان المراد ما ذكرناه ثانيا فليس يمنع من إضافته إلى العقل بمعنى إنا نعلم بالعقل وأدلته بعد استقرار الشرائع وجوب كون الإمام عالما بجميعها.
قال صاحب الكتاب: " فإن قالوا كيف يصح أن يقوم بذلك والقيام بالعمل لا يصح إلا مع العلم؟
قيل لهم: بأن يستدل حالا بعد حال ويجتهد فيعرف ما ينزل من النوازل التي يلزمه الحكم فيها وبأن يرجع في كثير منها (1) إلى الرأي والاجتهاد كالجهاد وغيره، وقد يجوز أيضا أن يقوم بذلك على حقه بأن يراجع العلماء ويستشيرهم فيحكم بما ثبت عنده من أصح الأقاويل، وقد يجوز أيضا من جهة العقل أن يكلف القبول من العلماء، وأن يحكم بذلك كما يقول كثير من الناس في حكم الحاكم وكما نقوله [فيما كلف به كثير من