الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ١٧
ومما يوضح ما ذكرناه أن اعتذار من عدل عن ولاية غيره أمرا من الأمور بأنه لا يعلمه ولا يحسنه واضح، واقع موقعه عند العقلاء، كما أن اعتذاره في العدول عنه بأنه لا يقدر على ما عدل فيه عنه أيضا صحيح واضح، فلولا أن ولاية الشئ من لا يعلمه قبيحة غير جائزة لم يحسن الاعتذار بأنه لا يحسن ولا يعلم كما لا يحسن الاعتذار بغير ذلك مما لا تأثير له في قبح الولاية كالهيئة والخلقة، وليس لأحد أن يقول إن الإمام إمام فيما علمه من الأحكام دون ما لم يعلمه، ويطعن بذلك فيما اعتمدناه لأن الإجماع يمنع من ذلك ولا خلاف في أن الإمام إمام في سائر الدين وإن اختلف في تأويل معنى الإمامة.
وإنما بنينا الكلام في الدلالة على وجوب كونه عالما بجميع الأحكام على كونه إماما في سائر الدين، ولو جاز أن يكون إماما في بعض من الدين دون بعض لم يجب عندنا أن يكون عالما بالبعض الذي ليس هو إماما فيه، ومما يدل أيضا على ذلك أن الإمام قد ثبت كونه حجة في الدين، وحافظا للشرع بما تقدم من الأدلة، فلو جوزنا ذهاب بعض الأحكام عنه لقدح ذلك في كونه حجة من وجهين.
أحدهما: إنا لا نأمن أن يكون ما ذهب عنه من أمر الدين ولم يكن عالما به مما اتفق للأمة كتمانه، والإعراض عن نقله وأدائه، لأنا قد دللنا فيما مضى من الكتاب على جواز ذلك عليها، وإذا كنا إنما نفزع فيما يجوز عليها من الكتمان إلى بيان الإمام واستدراكه عليها فمتى جوزنا على الإمام أن يذهب عنه بعض الأحكام ارتفعت ثقتنا بوصول جميع الشرع إلينا، وهذا قادح في كون الإمام حجة بلا شك.
والوجه الآخر: أن تجويز ذهاب بعض الدين عنه، وإشكال بعض
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»