أردتم الأول فقد بينا أنه غير واجب في العادة، وضربنا له الأمثال، وإن أردتم الثاني فهو غير منكر؟ وقد دل الدليل عندنا على الأسباب المقتضية لكتمان النص وعرفت الشيعة من حال النفر الذين تواطؤا على إزالة الأمر عن مستحقه ورووا خبر الصحيفة المكتوبة بينهم (1) وميزوا بين من دفع النص للحسد والعداوة، وبين من دفعه للشبهة وحسن الظن بدفعه، حتى أنهم يشيرون إلى كل واحد بعينه، وهذا مشهور من اعتقادهم ومذهبهم، ولم يبق إلا أن يطالبوا بالدلالة عليه فيدلوا فقد عرفت إذا الأسباب في كتمان النص، ودل الدليل عليها، وإن لم يجب أن يعلمها كل واحد، وتنتفي الشبهة فيها عن كل ناظر، كما يجب ذلك فيما ظهرت أسبابه مما تقدم ذكره.
وأما قوله في الفصل الذي كلامنا عليه: (فلو كان قد نصبه لهم لما جاز أن يتكاتموا أمره من غير تواطؤ) فإن أشار بالتكاتم إلى جميع الأمة الذين نصب لهم فذلك مما لم يقع فيحتاج إلى تعليله، وهل كان لتواطؤ أو لغيره، لأنا قد بينا أنه كما كتم فريق قد نقل فريق وإن لم يساووهم في الكثرة، وإن أراد لما جاز أن يكتمه من وقع الكتمان منه من جملة الأمة لغير تواطؤ فهو أيضا باطل لأنا قد دللنا على أن الكتمان قد يقع من الجماعة لغير تواطؤ، وذكرنا أسبابه التي من جملتها العداوة والحسد، واعتقاد الضرر في الدين أو الدنيا أو الشبهة، وضربنا أمثالا تشهد بصحتها العادة، ومضى أيضا فيما سلف من كلامنا أنه غير ممتنع أن يكون التواطؤ في كتمان النص وقع من جماعة قليلة، واتبعها الباقون لدواع مختلفة منها حسن الظن ودخول الشبهة.