وأما الكتمان فإذا جاز على آحادهم وجماعاتهم فليس يجب أن يكون مانعا من القطع على صحة خبرهم إذا ورد على الشرائط المخصوصة، وإنما يكون مانعا من كونهم حافظين للشرع، لأنه إذا جاز ذلك عليهم لم نثق بأنه لم يقع منهم إلا بأن يقطع على وجود معصوم يكون وراءهم متى وقع منهم الكتمان الجائز عليهم تلافاه وبين عنه فليس يجب أن يخلط صاحب الكتاب جواز الكتمان بجواز الكذب (1) وإخراجهم من أن يكونوا حافظين للشرع بإخراجهم من أن يكونوا حجة فيما يتواترون به فإن ذلك لا يختلط إلا عند من لا معرفة عنده.
قال صاحب الكتاب: " واعلم أن أمثال هذه الشبهة (2) لا يجوز أن يكون مبتداها إلا من ملحد طاعن في الدين لأنها إذا صحت وجب بطلان النبوة والإمامة لأنا إنما نعلم بالتواتر كون النبي صلى الله عليه وآله وكون القرآن ووقوع التحدي به، وأنه لم يقع من جهتهم معارضة، وبه نعلم ثبوت الشرائع (3) ونسخ المنسوخ منها، وبه نعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين، وأن شريعته ثابتة، وأنه لا نبي معه ولا بعده [إلى غير ذلك] (4) فالطاعن في التواتر يريد التشكيك في جميع ما قدمناه مما بإبطاله أو بإبطال بعضه يبطل الدين، فكيف يعلم مع فساد التواتر القرآن وتميزه من غيره حتى يكون حجة؟ وهذا القول أداهم إلى جواز الزيادة في القرآن وأنها قد كتمت،... " (5)