الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ١ - الصفحة ١٢٨
فعندنا أن بيان ذلك غير محتاج إليه لأن العقول تدل على وجوب الإمامة وعلى صفات الإمام وما يحتاج فيه إليه، وما يدل العقول عليه ليس يجب بيانه من طريق السمع ولو لم يعلم ذلك من طريق العقول لما احتيج فيه إلى نص قاطع من الرسول صلى الله عليه وآله كما ادعى أن الأمة قد علمت ما كان يتولاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أمورهم كسياسته لهم وتعليمه وتوقيفه (1) وإقامة الحدود على مستحقيها وتأديب الجناة. وتقويم البغاة، وإنصاف المظلوم من الظالم إلى غير ذلك مما يطول تعداده، وهو معروف معلوم لمن عاصر النبي صلى الله عليه وآله، ولمن لم يكن أيضا في زمانه، فإنا ومن كان قبلنا ممن يلحق بتلك الحال نعلم ما كان يتولاه الرسول صلى الله عليه وآله من أمور أمته علما لا يتخالجنا فيه الشك، وكان (2) ما ذكرناه معلوما للقوم وكانوا أيضا يعلمون أن الخليفة لغيره بالاطلاق هو القائم مقامه فيما يتولاه ويراعيه ويدبره، وإنما تختص الخلافة ببعض ما ينظر فيه المستخلف لأمر يخصها ويقصرها على بعض دون بعض.
وهذا الذي ذكرناه في معنى الاستخلاف معلوم بالعادة لنا ولجميع الفضلاء الذين قد شاهدوا الملوك والأمراء والولاة، وعلموا كيفية استخلافهم لمن يستخلفونه، بل لكل من عرف مستخلفا ومستخلفا، ألا ترى أن رعية الملك إذا هم بسفر وانتهت به العلة والمرض إلى حال يؤيس معها من حياته تسأله عمن يستخلف عليهم، أما بعد موته، وأما بعد بعده بالسفر عنهم. فإذا قال لهم:

(1) أي ما وقفهم عليه من الأحكام.
(2) في الأصل " وإذا كان ذلك " ولا يستقيم المعنى إلا بحذف إذا لعدم الجزاء في الكلام.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»