لسان العرب - ابن منظور - ج ١٤ - الصفحة ٢١٢
والمحيا: مفعل من الحياة. وتقول: محياي ومماتي، والجمع المحايي. وقوله تعالى: فلنحيينه حياة طيبة، قال: نرزقه حلالا، وقيل: الحياة الطيبة الجنة، وروي عن ابن عباس قال: فلنحيينه حياة طيبة هو الرزق الحلال في الدنيا، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون إذا صاروا إلى الله جزاهم أجرهم في الآخرة بأحسن ما عملوا. والحي من كل شئ: نقيض الميت، والجمع أحياء. والحي: كل متكلم ناطق. والحي من النبات: ما كان طريا يهتز. وقوله تعالى: وما يستوي الأحياء ولا الأموات، فسره ثعلب فقال الحي هو المسلم والميت هو الكافر. قال الزجاج: الأحياء المؤمنون والأموات الكافرون، قال:
ودليل ذلك قوله: أموات غير أحياء وما يشعرون، وكذلك قوله:
لينذر من كان حيا، أي من كان مؤمنا وكان يعقل ما يخاطب به، فإن الكافر كالميت. وقوله عز وجل: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء، أموات بإضمار مكني أي لا تقولوا هم أموات، فنهاهم الله أن يسموا من قتل في سبيل الله ميتا وأمرهم بأن يسموهم شهداء فقال: بل أحياء، المعنى: بل هم أحياء عند ربهم يرزقون، فأعلمنا أن من قتل في سبيله حي، فإن قال قائل: فما بالنا نرى جثته غير متصرفة؟ فإن دليل ذلك مثل ما يراه الإنسان في منامه وجثته غير متصرفة على قدر ما يرى، والله جل ثناؤه قد توفى نفسه في نومه فقال: الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، وينتبه النائم وقد رأى ما اغتم به في نومه فيدركه الانتباه وهو في بقية ذلك، فهذا دليل على أن أرواح الشهداء جائز أن تفارق أجسامهم وهم عند الله أحياء، فالأمر فيمن قتل في سبيل الله لا يوجب أن يقال له ميت، ولكن يقال هو شهيد وهو عند الله حي، وقد قيل فيها قول غير هذا، قالوا: معنى أموات أي لا تقولوا هم أموات في دينهم أي قولوا بل هم أحياء في دينهم، وقال أصحاب هذا القول دليلنا قوله: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، فجعل المهتدي حيا وأنه حين كان على الضلالة كان ميتا، والقول الأول أشبه بالدين وألصق بالتفسير. وحكى اللحياني: ضرب ضربة ليس بحاي منها أي ليس يحيا منها، قال: ولا يقال ليس بحي منها إلا أن يخبر أنه ليس بحي أي هو ميت، فإن أردت أنه لا يحيا قلت ليس بحاي، وكذلك أخوات هذا كقولك عد فلانا فإنه مريض تريد الحال، وتقول: لا تأكل هذا الطعام فإنك مارض أي أنك تمرض إن أكلته. وأحياه: جعله حيا. وفي التنزيل: أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى، قرأه بعضهم: على أن يحيي الموتى، أجرى النصب مجرى الرفع الذي لا تلزم فيه الحركة، ومجرى الجزم الذي يلزم فيه الحذف. أبو عبيدة في قوله: ولكم في القصاص حياة، أي منفعة، ومنه قولهم: ليس لفلان حياة أي ليس عنده نفع ولا خير. وقال الله عز وجل مخبرا عن الكفار لم يؤمنوا بالبعث والنشور: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين، قال أبو العباس: اختلف فيه فقالت طائفة هو مقدم ومؤخر، ومعناه نحيا ونموت ولا نحيا بعد ذلك، وقالت طائفة: معناه نحيا ونموت ولا نحيا أبدا وتحيا أولادنا بعدنا، فجعلوا حياة أولادهم
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»
الفهرست