فان مرجع الشك في هذه الصورة بالنسبة إلى ما زاد عن المتيقن إلى الشك في أصل التخصيص لا في مصداق المخصص فالمرجع فيه اصالة العموم لا الأصول العملية كما تقرر في محله ولافرق في العفو عما دون الدرهم بين ان يكون دم نفسه أو غيره لاطلاق النصوص وفتاوى الأصحاب بل صريح فتاويهم خلافا لصاحب الحدائق فالحق دم الغير بدم الحيض الذي ستعرف عدم العفو عن قليله ونقله عن المحدث الأسترآبادي استنادا إلى مرفوعة البرقي عن أبي عبد الله (ع) قال دمك أنظف من دم غيرك إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس وان كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله وعن الفقه الرضوي واروى ان دمك ليس مثل دم غيرك وفيه عدم صلاحية الروايتين مع ضعفهما واعراض الأصحاب عنهما التقييد الأخبار المطلقة خصوصا لو أريد بدم الغير ما يعم دم المأكول فإنه يستبعد اخراجه من الأخبار المطلقة فالأولى حمل الروايتين على الاستحباب ثم إن هذا الحكم أي العفو عما دون الدرهم انما هو في غير دم الحيض والاستحاضة والنفاس اما دم الحيض فالظاهر عدم الخلاف في عدم العفو عنه بل عن جملة من الأصحاب دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى ذلك رواية أبي سعيد عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام قالا لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره الا دم الحيض فان قليله وكثيره في الثوب ان رآه وان لم يره سواء وضعفها مجبور بالعمل وعن الفقه الرضوي وان كان الدم حمصة فلا بأس بان لا تغسله الا ان يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قل أم كثر واعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم واستدل له أيضا باطلاق بعض الأخبار الخاصة الدالة على وجوب غسل دم الحيض مثل قول الصادق عليه السلام في خبر سورة بن كليب في الحائض تغسل ما أصاب ثوبها من الدم بدعوى ان النسبة بينها وبين ما دل على العفو عما دون الدرهم العموم من وجه ففي مورد الاجتماع يتعارضان فيترجح ما دل على وجوب الإزالة بفتوى الأصحاب وفيه ان الأخبار الواردة في دم الحيض ليست الا كغيرها من الأخبار الخاصة الواردة في بعض أنواع الدم كدم الرعاف ونحوه والأخبار الدالة على العفو عما دون الدرهم حاكمة على مثل هذه الأخبار لا يلاحظ بينها النسبة كما لا يخفى على المتأمل ونظير ذلك في الضعف الاستدلال بعموم ما دل على الاجتناب عن الدم أو مطلق النجس بعد دعوى قصور الأخبار الدالة على العفو عن شمول دم الحيض واخويه نظرا إلى أن المفروض في موضوع تلك الأخبار هو الرجل الذي رأى بثوبه الدم وفرض إصابة الدماء الثلاثة إلى ثوب الرجل من الفروض النادرة التي ينصرف عنها اطلاقات الأدلة وقاعدة مشاركة النساء مع الرجال في الأحكام الشرعية غير مجدية في المقام فإنها لا تقتضي الا تعميم الحكم المستفاد من الدليل المتوجه إلى الرجال بالنسبة إلى النساء لافرض كون النساء مخاطبة بهذا الكلام حتى يكون فرضه كذلك مانعا من الانصراف عن مثل دم الحيض وقد يقال في توجيه دعوى الانصراف ان نجاسة دم الحيض على ما هو المغروس في الأذهان أغلظ من سائر الدماء فينصرف عنه اطلاق أدلة العفو عن الدم وتوضيح الضعف اما دعوى الانصراف من حيث ندرة الفرض فيتوجه عليها بعد الغض عن أن ذكر الرجل في أسئلة السائلين وأجوبتهم في مثل هذه الأخبار المسوقة لبيان الأحكام الشرعية الكلية انما هو من باب المثال جريا مجرى العادة في مقام التعبير والمقصود به مطلق المكلف ان فرض إصابة دم الحيض ونحوه إلى ثوب الرجل ليس بأبعد من فرض إصابة مثل دم جملة من الوحوش والطيور ودم العلقة ونحو ذلك مع أنه لم يتوهم أحد انصراف الاخبار عن مثل هذه الدماء فلو فرض انصراف الاخبار عن دم الحيض فليس منشأه ندرة الابتلاء بلا شبهة بل الخصوصية أخرى وان لم نعلم بها تفصيلا واما ما قيل من أغلظية نجاسة دم الحيض ففيه بعد تسليم ان الأغلظية توجب الانصراف انه لولا عدم العفو عنه في الصلاة من أين علم أغلظيته من سائر الدماء من حيث النجاسة وكون حدوثه موجبا للغسل لا يقضى بأغلظية من حيث النجاسة ولعمري ان مثل هذه الدعاوى انما تنشأ بعد مسلمية المدعى وإرادة توجيهه والا فلو فرض كون العفو عن دم الحيض أيضا معروفا لدى الأصحاب لم يكن يصغى أحد إلى مثل هذه الدعاوى فظهر لك ان عمدة مستند الحكم هي نسخة الاجماع ورواية أبي بصير المتقدمة المعتضدة بالفقه الرضوي وفتاوى الأصحاب واما دم الاستحاضة والنفاس فقد حكى عن جماعة دعوى الاجماع على عدم العفو عنهما أيضا لكن ربما يستشعر من نسبة المصنف في محكى المعتبر والنافع الحاقهما بدم الحيض إلى الشيخ عدم كون المسألة من المسلمات ووجهه في المعتبر على ما حكى عنه بعد أن نقله عن الشيخ بقوله ولعله نظر إلى تغليظ نجاسته لأنه يوجب الغسل واختصاصه بهذه المزية يدل على قوة نجاسته على باقي الدماء فغلظ حكمه في الإزالة انتهى ولا يخفى ما في هذا الدليل من أنه مجرد اعتبار لا يصلح دليلا لاثبات حكم شرعي اللهم الا ان يكون المقصود ان اختصاصه بهذه المزية أوجب انصراف اخبار العفو عنه ولكنك عرقت انفا انه لا يخلو عن نظر بل منع ولذا قوى في الحدائق دخولهما في عموم اخبار العفو وما قيل في تضعيفه من أن ما ذكر لو لم يكن منشأ لانصراف اخبار العفو فلا أقل من كونه موجبا للشك في الشمول فيبقى ما دل على الإزالة لا معارض له * (ففيه) * ان الشك في الشمول لا يمنع من التمسك بأصالة الاطلاق بل يحقق موضوعها فلا يعارضها عموم ما دل على الإزالة لأن اصالة الاطلاق في المخصص حاكمة على اصالة العموم في العام كما هو واضح والذي يقتضيه التحقيق عدم العفو عن دم النفاس لما عرفت في محله من كونه كدم الحيض حكما بل موضوعا واما دم
(٥٩٢)