لا تكافئ اخبار الطهارة الا ان يدعى انجباره بعمل الأصحاب ونقل اجماعهم واعتضاده بظواهر غيره من الأخبار الكثيرة وفيه تأمل ولكن مع ذلك كله الأظهر النجاسة لصحيحة علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبى الحسن عليه السلام جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر (ع) وأبى عبد الله (ع) في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا بأس ان يصلى فيه انما حرم شربها وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال إذا أصاب ثوبك خمرا ونبيذ يعنى المسكر فاغسله ان عرفت موضعه وان لم تعرف موضعه فاغسله كله فان صليت فيه فأعد صلاتك فاعلمني ما اخذ به فوقع بخطه (ع) وقرائه خذ بقول أبى عبد الله (ع) فان ظاهرها تعين الاخذ بقول أبى عبد الله (ع) المنفرد عن قول أبى جعفر (ع) الذي مضمونة التنجيس فهو المتبع ولا يعارضها اخبار الطهارة لحكومتها عليها فإنها بمنزلة الاخبار العلاجية الواردة في حكم المتعارضين الامرة بالاخذ بما وافق الكتاب أو ما خالف العامة أو غير ذلك فإنها لا تعد في عرض المتعارضين نعم لو كان الاخذ بقول أبى عبد الله (ع) في المقام منافيا لما في الاخبار العلاجية بان كان قول أبى عبد الله (ع) مثلا موافقا للعامة لتحققت المعارضة بين الصحيحة وبين تلك الأخبار الامرة بالاخذ بالخبر المخالف كما أنه لو كان قابلا للتأويل دون ما يعارضه بان كانت المعارضة بينهما من قبيل معارضة النص و الظاهر لكانت الصحيحة منافية لقاعدة الجمع لكنك خبير بان العمومات والقواعد لا تزاحم النص الخاص الصحيح فالصحيحة سليمة عن المعارض يجب الاخذ بظاهرها فما في المدارك من حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين اخبار الطهارة في غير محله ونظيرها في الحكومة على ساير الاخبار خبر خيران الخادم قال كتبت إلى الرجل أسئله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلي فيه فان أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صل فيه فان الله حرم شربها وقال بعضهم لا تصل فيه فوقع (ع) لا تصل فيه فإنه رجس الحديث إذ الظاهر أن اختلاف أصحابنا فيه لم يكن الا لاختلاف اخبارهم وكان هذا منشا لتحير السائل ورجوعه إلى الإمام (ع) فما صدر عنه (ع) لبيان حكم ذلك الموضوع الذي اختلفت الروايات فيه لرفع تحيره لا يعد في عرض تلك الأخبار الموجبة لتحيره ثم انك قد عرفت انفا ان المسكرات المايعة ملحقة بالخمر بل مندرجة فيها موضوعا لكن القدر المتيقن منها هو المسكرات المايعة بالأصالة واما المسكرات الجامدة كالحشيشة ونحوها فمقتضى الأصل طهارتها وان عرض لها وصف الميعان بان امتزجت في ماء ونحوه بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليها واستشكله بعض لو لم يكن اجماعيا نظرا إلى اطلاق بعض الأدلة المتقدمة فكان نظره إلى اطلاق قوله (ع) فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر وقوله (ع) كل مسكر خمر وفيه اما الرواية الأولى فقد عرفت ظهورها في إرادة التشبيه من حيث الحرمة واما الرواية الثانية فان أريد بها الحمل الحقيقي فلابد من صرفها إلى المسكرات المايعة بالأصالة التي ينصرف إليها اطلاق قول اللغويين المفسرين لها بالشراب المسكر ضرورة عدم كون الحشيشة ولو مع امتزاجها بالماء وعروض وصف الميعان لها من المصاديق الحقيقية للخمر فلو فرض ظهور كلمات اللغويين أيضا في ارادتها لتعين صرفها إلى غيرها إذ لا يرفع اليد عن المحكمات العرفية بمتشابهات أهل اللغة وان أريد بها الحمل الحكمي فهي منصرفة إلى إرادة التشبيه من حيث الحرمة التي هي اظهر أوصافها دون نجاستها التي كانت في عصر الصادقين (ع) من أوصافها الخفية التي اختلفت فيها الروايات ورواتها وكيف كان فلا اشكال في الحكم كما أنه لا خلاف فيه نعم لو كان لميعانها دخل في مسكريتها اندرج في القسم الأول الذي حكمنا بنجاسته كما لا يخفى ولو عرض للخمر ونحوها وصف الجمود بقي على نجاستها لعدم خروجها بذلك من مسمى اسمها لكونها لدى العرف كالبول المنجمد ولو منع بقاء الاسم أو شك فيه أو قيل بانصراف ما دل على نجاستها عن مثل الفرض حكم بنجاسته لأجل الاستصحاب لكونه من اظهر مجاريه لدى العرف ولا ينافيه الشك في بقاء الموضوع بعنوانه المعلق عليه الحكم في الأدلة الشرعية لما تقرر في محله من أن المرجع في تشخيص موضوع المستصحب هو العرف بقي الكلام في حقيقة السكر الذي هو مناط الحرمة وعروض النجاسة فقيل هو ما يحصل معه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر المكتوم وقيل هو ما يغير العقل ويحصل معه نشو النفس وقيل في الفرق بينه وبين الاغماء ان السكر حالة توجب اختلالا في العقل بالاستقلال والاغماء يوجبه بالتبع لضعف القلب واليد وقيل إن السكر حالة توجب ضعف العقل وقوة القلب والاغماء حالة توجب ضعفهما معا أقول والذي يظهر من مجموع ما قيل إن السكر يشبه الجنون والاغماء يشبه النوم و الايكال إلى العرف أولى وان كان الظاهر مساعدته على ما قيل والله العالم وفى حكمها حرمة ونجاسته على ما صرح به غير واحد العصير العنبي إذا غلا واشتد ولم يذهب ثلثاه اما حرمته فمما لا اشكال فيه بل تتحقق الحرمة وبمجرد الغليان وان لم يشتد بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المصنف وغيره دعوى الاجماع عليه قال في محكى المعتبر وفى نجاسته العصير بغليانه قبل اشتداده تردد واما التحريم فعليه اجماع فقهائنا ثم منهم من اتبع التحريم بالنجاسة والوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب الثلثان ووقوف النجاسة على الاشتداد انتهى ويدل عليه اخبار كثيرة سيأتي نقل بعضها انشاء الله وتفصيل الكلام فيه موكول إلى محله واما نجاسته فقد اختلفوا فيها وقد نسب القول بها إلى الأكثر بل نسبه غير واحد إلى المشهور بين المتأخرين وادعى بعض الشهرة عليها على الاطلاق بل عن بعض دعوى الاجماع وعليها وحكى عن بعض القدماء وجملة من المتأخرين القول بطهارته بل يظهر من محكى الذكرى شذوذ القول بالنجاسة بين القدماء وكون المعروف عندهم خلافها حيث قال إن في حكم
(٥٤٩)