فعند بعضنا انه نجس وعند آخرين انه طاهر انتهى وأجيب بعدم الحجية خصوصا مع معروفية الخلاف هذا مع قوة احتمال ان يكون مراده بالاشتداد الشدة المطربة كما يشهد لذلك ما ادعاه من الاجماع إذ الظاهر أن مراده بفقهائنا أعم من فقهاء العامة بقرينة مقابله وستسمع من فخر الدين دعوى ان المراد بالاشتداد لدى الجمهور الشدة المطربة فحمل العبارة على إرادة هذا المعنى أولى وأقرب إلى الصدق اللهم الا ان يكون في كلماته ما يشهد بخلافه والله العالم و * (منها) * دعوى صدق اسم الخمر عليه حقيقة فيعمه حكمها الاطلاق أدلته اما صدق الاسم فلظهور كلمات جماعة من الخاصة والعامة في ذلك بل عن المهذب البارع ان اسم الخمر حقيقة في عصير العنب اجماعا وفى محكى الفقيه من رسالة والده اعلم يا بنى ان أصل الخمر من الكرم إذا اصابته النار أو غلا من غير أن تمسه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر فلا يحل شربه حتى يذهب ثلثه انتهى و ربما يستشهد له أيضا بالأخبار الآتية وفيه منع صدق الاسم عليه حقيقة بل يصح سلبه عنه عرفا ولغة لان الخمر اما اسم للطبيعة المعهودة المتخذة من العصير المعروفة عند أهلها فلا يندرج العصير تحت تلك الطبيعة بمجرد الغليان ما لم يطرء عليه الفساد والاختمار واما اسم لمطلق الشراب المسكر والعصير ليس بمسكر ما لم يطرء عليه التغير والنشيش والا لم يجعلوه قسما للمسكر المايع وما يقال من احتمال كونه في الواقع مسكرا إذ لم يعثر على من جربه واخبر بأنه ليس بمسكر فلا مقتضى لرفع اليد عن ظاهر الرواية الآتية وغيرها مما تقدمت الإشارة إليه * (مدفوع) * بأنه لو كان مسكرا لم يكن يبقى على اجماله ولعرفه المتعمدون إلى قصد المسكر ولم يكونوا يتكلفون في تخمير ولا أقل من أن يستغنوا به عن الخمر لدى عدم قدرتهم على تحصيلها بل كيف يحتمل دوران وصف الاسكار الذي هو تدريجي الحصول والارتفاع مدار الغليان وعدم ذهاب الثلثين احدوثا وارتفاعا في جميع المصاديق مع شدة اختلاف طبايعها من حيث التأثير والتأثر ولو فرض حصول هذا الاحتمال بالنسبة إلى جميع المصاديق فليس على وجه يوجب الحكم بثبوت المحتمل بمجرد ظهور لفظ فيه بمقتضى أصالة الحقيقة إذ ليس كل احتمال يعتنى به في مباحث الألفاظ الا ترى ان قول القائل رأيت أسدا في الحمام لا يحمل على حقيقة بمجرد الاحتمال المستبعد في العادة فكذا فيما نحن فيه هذا مع أنه لا مقتضى للالتزام بذلك عدا ما حكى عن ظاهر بعض من كون العصير بعد غليانه خمرا كوالد الصدوق في محكى الرسالة و * (فيه) * انه ان أريد بذلك بيان مفهوم الخمر عرفا ولغة فيتوجه عليه ما أشرنا إليه من صحة السلب عنه ما لم يتحقق له وصف الاسكار ولا يصح اثبات هذه الصفة المطلقة باطلاق هذا الكلام لا لمجرد كونه اخبارا عن موضوع خارجي عن حدس واجتهاد من غير أهل خبرته بل لمعارضته بظاهر من جعله فسيما للمسكر المايع بل صريح بعضهم حيث قسم الأشربة المحظورة على قسمين مسكر وغير مسكر وجعل العصير من اقسام غير المسكر وكيف كان فالظاهر أن والد الصدوق ونظرائه لم يقصدوا بمثل هذه العبائر بيان مفهومها العرفي بل غرضهم بان ما تعلق به الأحكام الشرعية من الحرمة ونحوها بحسب اجتهادهم فلا يكون حجة على غير مقلديهم خصوصا مع أن والد الصدوق كولده ممن لا يرى النجاسة من احكام الخمر واما ما حكى عن المهذب من دعوى الاجماع على كون الخمر حقيقة في عصير العنب ففرضه على الظاهر بيان كونها موضوعة للطبيعة المعهودة المتخذة من العنب دون سائر المسكرات المايعة كالنبيذ والنقيع وغيرها لا ان مطلق العصير خمر ولو قبل غليانه فإنه معلوم الفساد واما الاخبار التي يستشهد بها للمدعى فعمدتها موثقة معاوية بن عمار التي هي أقوى مستند القائلين بالنجاسة المروية عن التهذيب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج ويقول قد طبخ على الثلث وانا اعلم أنه يشربه على النصف أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف فقال هو خمر لا تشربه قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث فلا يستحله على النصف يخبرنا ان عنده بختجا قد ذهب ثلثه وبقى ثلثه نشرب منه قال نعم وتقريب الاستشهاد بها ان ابقاء الحمل على حقيقته يقتضى الالتزام بكون العصير قبل ذهاب ثلثيه مسكرا لما عرفت من اعتبار وصف الاسكار في مفهوم الخمر عرفا ولغة وحيث لم يعلم انتفائه في الفرض وجب التعبد بثبوته ابقاء للرواية على ظاهرها و * (فيه) * بعد الغض عما عرفت ان الدليل أخص من المدعى من وجوه اما أولا فلان اطلاق السؤال والجواب منزل على إرادة الافراد المتعارفة والذي كنا نشاهد في طبخ العصير واعماله دبسا وغيره ابقائه مدة كان يتغير في تلك المدة ويقذف بالزبد فلعل كونه كذلك منشأ لحدوث وصف الاسكار فيه فلا يلزم من الحكم بخمريته ان يكون مطلق العصير كذلك حتى فيما لو طبخ بعد عصره بلا فاصلة بخلاف المتعارف فضلا عن أن يغلى حبات العنب في القدر من غير أن تعصر وثانيا فلان غاية ما يفهم من الرواية كون العصير المطبوخ على النصف خمرا فلعل وصف الاسكار يحدث له بعد صيرورته كذلك فلا مقتضى للالتزام بكونه بمجرد الغليان كذلك حتى يثبت به المدعى وثالثا ان البختج بحسب الظاهر قسم خاص من العصير المطبوخ وقد حكى عن النهاية الأثرية انه فارسي معرب واصله بالفارسية مى بخته فهي عبارة أخرى عن الخمر المطبوخة ومن البعيد اطلاق هذا الاسم على الدبس فان العصير المطبوخ انحاء مختلفة منها الدبس ومنها ما نسميه في بلدنا بالرب ولعل هذا هو الذي كان يسمى بالبختج وكيفية طبخه ان يبقى العصير أياما عديدة إلى أن يتغير تغيرا فاحشا إلى أن يبلغ حده المعروف عند أهله ثم يطبخونه فيصير هو في حد ذاته حلوا حامضا كالسكنجبين من غير أن يوضع فيه الخل فيحتمل قويا ان يكون هذا القسم من العصير قبل استكمال طبخه خمرا حقيقية وأن يكون الحموضة الحاصلة فيه ناشئة من انقلاب ما فيه من الطبيعة الخمرية والحاصل ان للعصير المطبوخ انحاء مختلفة
(٥٥١)