مقتضى لنجاسة المظروف بعد طهارة ظرفه المانع من السراية بل المقصود بالروايات على الظاهر ليس الا بيان طهارة ذلك الشئ الأصفر فإنه هو الذي فيه منافع الخلق ويجعل في الجبن بل في بعض الأخبار إشارة إلى ارادته مثل ما رواه أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال فيه قال قتادة فأخبرني عن الجبن فتبسم أبو جعفر (ع) ثم قال رجعت مسائلك إلى هذا قال ضلت عنى فقال لا بأس به فقال إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميت قال ليس بأس ان الإنفحة ليس فيها دم ولا عرق ولا بها عظم انما تخرج من بين فرث ودم ثم قال إن الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة فهل تأكل البيضة فقال لا ولا امر باكلها فقال أبو جعفر (ع) ولم فقال لأنها من الميتة قال له فان حضنت تلك البيضة فخرجت منه دجاجة أتأكلها قال نعم قال فما حرم عليك البيضة وحلل لك الدجاجة ثم قال (ع) فكذلك الإنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن في أسواق المسلمين من أيدي المسلمين ولا سأل عنه الا ان يأتيك من يخبرك عنه فان قوله (ع) انما تخرج من بين فرث ودم بحسب الظاهر إشارة إلى كونها لبنا مستحبلا غير معدود من اجزاء الحيوان وكيف كان فلا شبهة في طهارة هذا الشئ وعد انفعاله بملاقاة وعائه وان قلنا بنجاسة الوعاء ولذا قال في المدارك بعد ان ذكر التفسيرين ولعل الثاني أولى اقتصارا على موضع الوفاق وان كان استثناء نفس الكرش أيضا غير بعيد تمسكا بمقتضى الأصل انتهى فمراده بموضع الوفاق عدم الخلاف في طهارة هذا الشئ ولو على القول بان الإنفحة هي الكرش فلا يتوجه عليه الاعتراض بأنه لا وفاق بعد تقابل التفسيرين واما تمسكه بالأصل لطهارة الكرش فمبنى على أصله من انتفاء ما دل على نجاسته اجزاء الميت بعمومها والا فمقتضى القاعدة التي قررناها فيما سبق نجاستها لكون الكرش معدودا من اجزائها التي حل فيها الحياة الا ان يثبت كونه هو الإنفحة التي دلت النصوص والفتاوى على طهارتها ولم يثبت فالأشبه نجاسته الوعاء وعدم انفعال ما فيه بملاقاته ولعل هذا الوعاء هو المراد بالميتة في رواية أبى الجارود المروية عن محاسن البرقي قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الجبن فقلت أخبرني من رأى أنه يجعل فيه الميتة فقال امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت أنه فيه الميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وكل وبع {الخبر} ويحتمل جريها مجرى التقية أو يكون التجنب عما يطرح فيه الإنفحة المتخذة من الميتة مستحبا ولعله لذا نهى الإمام (ع) في ذيل رواية أبى حمزة المتقدمة عن السؤال عن ما يشترى من المسلمين وأيديهم مع فيها من التصريح بطهارة الإنفحة وكونها كالبيضة ويحتمل قويا صدور الذيل من باب التنزل والمماشاة مع قتادة بعد ان أحرز الإمام (ع) من سريرته انه لا يتعبد بقوله إحالة على قاعدة يد المسلمين وسوقهم التي لولاها لاختل نظام معاشهم فكأنه عليه السلام عدل عن الجواب الأول وبين عدم انحصار وجه الحل فيما ذكره أولا حتى لا يبقى في قلب المخاطب ريبة وقد ورد في جملة من الاخبار التي وقع فيها السؤال عن حكم الجبن الحكم بحليته استنادا إلى القواعد الظاهرية مثل رواية عبد الله بن سليمان قال سئلت أبا جعفر (ع) عن الجبن فقال سئلتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا ودعا بالغذاء فتغذينا معه واتى بالجبن فاكل واكلنا فلما فرغنا من الغذاء قلت ما تقول في الجبن فقال أولم ترني اكلته قلت بلى ولكن أحب ان اسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه وروايته الأخرى عن أبي عبد الله (ع) في الجبن قال كل شئ لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة وخبر يونس قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن السمن والجبن نجده في ارض المشركين بالروم أنأكله فقال ما علمت أنه خلطه الحرام فلا تأكله واما ما لم تعلم فكل حتى تعلم أنه حرام ويظهر من مثل هذه الروايات وجود قسم حرام في الجبن والمراد به على الظاهر ما يطرح فيه إنفحة الميت لمعروفية حرمتها لدى العامة فالظاهر جريها مجرى التقية والأجوبة الواقعة فيها ربما يترائى منها التورية والله العالم * (تنبيه) * صرح غير واحد بعدم اختصاص الحكم بطهارة الإنفحة بما إذا كانت من المأكول بل يعم إنفحة غير المأكول أيضا لاطلاق النصوص والفتاوى بل ربما يستظهر من اطلاق الفتاوى عدم الخلاف فيه والانصاف انصراف الاطلاقات إلى الإنفحة المعهودة التي تجعل في الجبن بل ربما يستشعر مما سمعته من بعض اللغويين من تفسيرها بكرش الحمل والجدى الاختصاص لكن مقتضى تعليل طهارتها في رواية أبى حمزة بكونها كالبيضة وعدم كونها من الاجزاء التي حل فيها الحياة طهارتها ولو لم تسم باسم الإنفحة لكن بناء على تفسيرها باللبن المستحال يشكل استفادة عدم انفعاله بالعرض من مثل هذه الرواية بعد انصراف الإنفحة التي أريد اثبات طهارتها بالفعل إلى غيره فليتأمل واما البيض فهو أيضا مما لا خلاف في طهارته ولا اشكال بعد ما ورد في الأخبار المستفيضة التصريح بها هذا مع موافقتها للأصل فان البيضة لا تعد من اجزاء الميتة حتى تعمها نجاستها فما عن العلامة في النهاية والمنتهى من تخصيص الطهارة بما كان من مأكول اللحم وحكم نجاسته غيره ضعيف فإنه وان أمكن دعوى انصراف البيضة في الاخبار إلى ارادتها مما يحل اكله خصوصا فيما حكم فيها بحليتها لكن كفى في الحكم بطهارتها الأصل مضافا إلى ما يفهم من رواية أبى حمزة ويساعده العرف من أنها شئ مستقل لا يعد من اجزاء الميتة مع أنه على تقدير كونه معدودة من اجزائها تبعا يدل على طهارتها ولو من غير المأكول ما دل على طهارة ما لم تحله
(٥٣٢)