تقية والله العالم * (الرابع) * الميتة ولا ينجس من الميتات الا ماله نفس سائلة في العبارة إشارة إلى معهودية نجاسته الميتة في الجملة ووضوحها في الشريعة وان المحتاج إلى التعريف انما هو تمييز مالا ينجس منها عما ينجس ولعمري ان الامر كذلك فان التتبع في الآثار والمتدبر في الأخبار الواردة في احكام الميتة التي لا تتناهى كثرة إذا نظر إليها بعين البصيرة لوجدها بأسرها كاشفة عن المدعى فإنك إذا تأملت في الأخبار الكثيرة الواردة في احكام البئر والأخبار الواردة في الماء القليل الذي مات فيه شئ من الحيوانات من ذي النفس أو غيره والواردة في الماء الكثير الذي وقع فيه الميتة والأخبار الواردة في السمن والزيت والمرق وغير ذلك مما وجد فيه فارة ميتة أو غيرها والواردة في باب لباس المصلي وفى باب عدم جواز الانتفاع باجزاء الميتة الا ما استثنى منها وغير ذلك من الموارد الكثيرة لا تكاد ترتاب في أن حال الميتة في عصر الأئمة (ع) من حيث معهودية نجاستها لم يكن الا كحالها في عصرنا والأسئلة المتعلقة بها من السائلين لم تكن الا كالأسئلة الصادرة عن العوام في الموارد الجزئية من مجتهديهم الناشئة من علمهم اجمالا بنجاسة الميتة فإنهم كثيرا ما يسئلون عن طعام أو حب ماء أو رهن أو سمن أو غير ذلك اخرج منه فارة ميتة أو نحوها لا لجهلهم بنجاسة الميتة رأسا فان هذه الأسئلة انما تصدر منهم بعد علمهم بنجاستها في الجملة وجهلهم بنجاسته الميتة الخاصة أو جهلهم بما يقتضيه نجاستها بالنسبة إلى خصوص المورد وبالجملة الأخبار الدالة على نجاسته الميتة فوق حد الاحصاء وتقريب الاستشهاد بها من وجوه منها ما أشرنا إليه من استكشاف معهودية نجاستها في عصر الأئمة (ع) معهوديتها في عصرنا هذا ويؤيده اجتماع العلماء وسيرة المتشرعة وهذا النحو من التقريب هو عمدة المستند لاستفادة نجاسته البول والخرء والمنى لكل حيوان ذي نفس كما عرفته فيما سبق لكن لا يتم المدعى على سبيل العموم بمثل هذا الدليل ما لم يضم إليه اجماع ونحوه * (ومنها) * استفادة نجاستها من جواب الإمام (ع) في تلك الأخبار بترتيب شئ من اثار النجاسة على مورد السؤال من نزح البئر وإراقة الماء القليل ونفى البأس عن الكثير الا عند تغيره وترك اكل الطعام والسمن والزيت ان كان مايعا وان كان جامدا فطرح الميتة وما حولها وترك الصلاة في اللباس المتخذ من جلد الميتة وان كان من مأكول اللحم وعدم جواز الانتفاع باجزاء الميتة ولا بالياتها الا للاستصباح أو نحو ذلك والمناقشة بأعمية كل من هذه الآثار من النجاسة في غير محلها بعد ما أشرنا إليه من أن الملحوظ في السؤال والجواب لم يكن الا حكمها من حيث النجاسة كيف وليس في سائر أبواب النجاسات الا مثل هذه الأدلة وقد سمعت ان عمدة المستند لعموم نجاسة البول من كل شئ انما هي حسنة ابن سنان الامرة بغسل الثوب من أبوال مالا يؤكل لحمه وبما ذكرنا ظهر لك تقريب الاستشهاد باخبار البئر التي ورد فيها الامر بالنزح لموت الحيوانات ولو لم نلتزم بنجاسة البئر بملاقاة النجس ضرورة ان المقصود بالسؤال عن البئر الواقع فيها شئ من بول أو عذرة أو خمر أو ميت ونحوها لم يكن الا معرفة حكمها من حيث وقوع النجس فيها فيكون وجوب النزح أو استحبابه من اثار نجاسة ما وقع فيها سواء قلنا بنجاسة ماء البئر أم لم نقل فهل يبقى مجال للتشكيك في استفادة نجاسة الميت من مثل قوله (ع) الدم والخمر والميت ولحم الخنزير في ذلك كله واحد ينزح منه عشرون دلوا فان غلب الريح نزحت حتى تطيب هذا مع أن ما في هذه الأخبار من الدلالة على فساد ماء البئر عند تغيرها بالميتة كفانا دليلا لاثبات المدعى ثم إن أغلب الاخبار التي تقدمت الإشارة إليها وان كانت واردة في موارد جزئية لا يتم بها عموم المدعى ما لم يضم إليها الاجماع أو غيره من الأدلة لكن جملة منها مطلقات أو عمومات وافية بالمطلوب * (منها) * رواية جابر عن أبي جعفر (ع) قال اتاه رجل فقال له وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في اكله فقال له أبو جعفر (ع) لا تأكله فقال له الرجل الفارة أهون على من أن اترك طعامي من اجلها قال فقال له أبو جعفر (ع) انك لم تستخف بالفارة انما استخففت بدينك ان الله حرم الميتة من كل شئ والمراد بالتحريم هنا هو التحريم الخاص الناشئ من النجاسة والا لا يستقيم التعليل كما هو واضح ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال سئلته عن انية أهل الذمة فقال لا تأكلوا في انتيهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة والدم ولحم الخنزير ومنها صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال كلما أغلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب فإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب ورواية أبى خالد عن أبي عبد الله في الماء يمر به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة فقال أبو عبد الله (ع) ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضأ منه وان لم يتغير ريحه وطعمه فاشرب وتوضأ وعن الفقه الرضوي وان مسست ميتة فاغسل يدك وليس عليك غسل انما يجب عليك ذلك في الانسان وفى موثقة حفص بن غياث لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام لم قال سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن قال كلما ليس له دم فلا بأس وصحيحة أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عما يقع في الابار فقال اما الفارة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء الا ان يتغير الماء فينزح حتى يطيب فان سقط فيها كلب فقدرت ان تنزح مائها فافعل وكل شئ وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس ورواية يونس عن أبي عبد الله قال سئلته عن العقرب تخرج من الماء ميتة قال استق منها عشر دلاء قلت فغيرها من الجيف قال
(٥٢٢)