مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ١ق٢ - الصفحة ٥٢٦
بملاحظة ما فيهما من اختلاف التعبير الواقع بين السؤال والجواب انما هو وجوب غسل ما أصاب الثوب من جسد الميت لا غسل ما وقع من الثوب عليه مطلقا والمبادر منه انما هو إرادة غسل ما اصابه من الرطوبات الحاصلة إليه من الميت ولذا نزله المحدث الكاشاني القائل بعدم نجاسة الميت على إرادة الرطوبات النجسة الخارجة منه من بول ودم ونحوهما وهذا التنزيل وان كان تأويلا مقتض لكن غاية ما يستفاد من اطلاق العبارة وجوب غسل ما لاقاه برطوبة متعدية خصوصا بضميمة ما هو المركوز في الأذهان من اعتبار الرطوبة في السراية فإنه بنفسه قرينة صارفة للاطلاق وبهذا قد يجاب عن اطلاق الامر بغسل اليد في التوقيعين والأولى في الجواب منع اطلاقهما من هذه الجهة فان المتبادر من قوله (ع) ليس على من نحاه الا غسل اليد وقوله (ع) إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه الا غسل يده ليس الا إرادة الاطلاق بالنسبة إلى العقد السلبي فليتأمل ثم لو سلم ظهور الاخبار في الاطلاق فلابد من تقييدها جمعا بينها وبين قوله (ع) في موثقة عبد الله بن بكير كل يابس ذكى المعتضد بجملة من الأخبار الدالة في جملة من المواضع على عدم تعدى النجاسة مع اليبوسة فان تقييد مثل هذه المطلقات أهون من تخصيص العام بلا شبهة نعم لو كان للمطلقات قوة ظهور في الاطلاق لأمكن الجمع بينها وبين الموثقة بحمل الامر بغسل الملاقى مع الجفاف على التعبد لا لأجل النجاسة كما التزم به جملة من القائلين بوجوب غسله لكنه بعيد ومما يؤيد عدم السراية مع الجفاف بل يدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن الحسن الصفار قال كتبت إليه رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جسده قبل ان يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه فوقع إذا أصاب يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل فإنه يدل على عدم نجاسة الثوب الملاقى للميت لكن على تقدير كون الغسل بالفتح يمكن الاستشهاد باطلاقه بوجوب غسل اليد الماسة للميت عند جفافه من باب التعبد الا ان التقدير غير ثابت فظهر لك ان القول بالسراية مع الجفاف ضعيف لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في خصوص اليد الماسة له بغسلها لرجاء التعبد به والله العالم وهل ينجس الميت بمجرد موته أم لا ينجس الا إذا برد كما لا يجب الغسل بمسه الا بعد البرد قولان أظهرها الأول لاطلاق الأخبار المتقدمة مع ما في التوقيع المروى عن الاحتجاج من التصريح بذلك وما في ذيل رواية إبراهيم بن ميمون من التفسير بقوله يعنى إذا برد الميت لم ينهض حجة لصرف الأدلة عن ظاهرها وما قيل من عدم انقطاع علقه الروح ما دامت الحرارة باقية فلا يتحقق الموت الا بعد البرد أو انه لا يحصل الجزم بالموت مع الحرارة مما لا ينبغي الالتفات إليه بعد تحقق الموت عرفا ولغة ولذا يجوز غسله ودفنه قبل البرد من غير نقل خلاف فيه كما أنه لم ينقل الالتزام بهذا التقييد من أحد بالنسبة إلى الميتة من ساير الحيوانات مع أن قضية الاستدلال ببقاء علاقة الروح أو عدم الجزم بالموت الاطراد واضعف منه الاستدلال عليه بالملازمة بين النجاسة وغسل المس ولما لم يجب الغسل بمسه الابعد البرد كما ستعرف لا ينجس الا بعده وفيه مالا يخفى بعد تعليق الثاني نصا وفتوى بالبرد والأول بالموت وربما يستدل له أيضا باطلاق نفى البأس في خبر إسماعيل بن جابر قال دخلت على أبى عبد الله (ع) حين مات ابنه إسماعيل الأكبر فجعل يقبله وهو ميت فقلت جعلت فداك أليس لا ينبغي ان يمس الميت ومن مسه فعليه الغسل قال اما بحرارته فلا بأس انما ذاك إذا برد وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس وفيه ان المتبادر من الرواية الأولى إرادة نفى الغسل الذي توهمه السائل وبيان ان ذلك الشئ الذي توهمه من وجوب الغسل انما هو بعد البرد هذا مع أن نفى البأس عنه انما هو بلحاظ مسه من حيث هو فلا ينافه وجوب غسل ملاقيه على تقدير اشتماله على رطوبة مسرية نعم ربما يؤيد مثل هذه الرواية ما قويناه من عدم السراية على تقدير الجفاف والرواية الثانية فلا تخلو عن شوب اجمال فليس فيها اطلاق يفهم منه عدم انفعال ملاقيه على تقدير اشتماله على الرطوبة التعبدية وليعلم ان ما ذكرناه من تنجس الميت بموته مخصوص بغير المعصومين الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبغير من شرع في تقديم الغسل فاغتسل كالمرحوم كما ظهر لك وجهه في مبحث احكام الأموات وفى الجواهر التصريح باستثناء الشهيد أيضا وهو لا يخلو من وجه والله العالم واما الميتة من غير ذي النفس فلا شبهة في طهارتها كما يدل عليه اخبار كثيرة تقدم جملة منها في صدر المبحث كموثقتي عمار وحفص بن غياث وصحيحة أبي بصير ففي الأولى كل ما ليس له دم فلا بأس وفى الثانية لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة ونحوها مرفوعة محمد بن يحيى وفى الثالثة وكل شئ وقع في البئر ليس له دم مثل العقرب والخنافس وأشباه ذلك فلا بأس ومثلها خبر ابن مسكان وابن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال سئلته عن العقرب والخنفساء وأشباههن تموت في الجرة أو الدهن يتوضأ منه للصلاة قال لا بأس وما في بعض الأخبار من الامر بإراقة الماء الذي مات فيه العقرب أو الامر بنزح الماء من البئر عند وقوعها فيها كغيره مما دل على إراقة الماء عند خروجها منه محمول على الاستحباب وكذا ما في بعض الأخبار من المنع من الانتفاع بما مات فيه الوزغة كما ستعرفه فما عن ظاهر بعض من الخلاف في بعض جزئيات المسألة مما لا ينبغي الالتفات إليه وكلما ينجس من صنوف الحيوان بالموت يعنى ما كان له نفس سائلة فما قطع من جسده نجس حيا
(٥٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 521 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 ... » »»