العمدية والا للزم إباحة القاء النفس في المهلكة وهو باطل مع أنه لا خلاف ظاهرا في جوازه في الجملة بل عن المعتبر دعوى الاجماع عليه كما يشهد له خبر السكوني ان أبا ذر اتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله هلكت جامعت على غير ماء قال فامر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترنا به وبماء فاغتسلت انا وهى ثم قال يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين وخبر إسحاق بن عمار قال سئلت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله فقال ما أحب ان يفعل ذلك الا ان يكون شبقا أو يخاف على نفسه قال يطلب بذلك اللذة فقال هو حلال قلت فإنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله ان أبا ذر سئله عن هذا فقال ائت أهلك توجر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله واوجر قال نعم انك إذا اتيت الحرام ازرت فكذلك إذا اتيت الحلال اوجرت فقال الا ترى انه إذا خاف على نفسه فاتى الحلال أوجر والذي ينبغي ان يقال في الاخبار الامرة بالغسل اما المرفوعتان منها فلا يجوز العمل بهما بحال لضعف سندهما بالارسال واعراض المشهور عنهما مضافا إلى أن ثانيتهما مقطوعة وأولاهما مخالفة لظواهر الكتاب والسنة المعتضدة بالقواعد العقلية والنقلية التي تجعلها نصا في العموم أو قريبة من النص بحيث لا يرفع اليد عنها الا بنص صحيح صريح غير قابل للطرح أو التأويل بل كيف يتصرف في اطلاق ما دل على أن المجدور يتيمم ولا يغتسل مع أن جملة من اخباره يتضمن التوبيخ والدعاء على من غسله فلو كان الغسل واجبا عليه على تقدير كون جنابته عمدية لم يكن يتوجه عليه التوبيخ الا بعد الاستفصال وانكشاف كون جنابته بسبب الاحتلام كما لا يخفى واما الصحيحتان فيعارضهما في خصوص موردهما صحيحتا داود بن سرحان والبزنطي وصحيحة ابن سنان المتقدمات والجمع بينها بحمل تلك الأخبار على ما لو خاف على نفسه التلف والصحيحتين على غيره وان لم يكن بعيدا بالنظر إلى نفس الاخبار لكنه لا يمكن بعد اعتضاد اطلاق تلك الأخبار الامرة بالتيمم بعمل المشهور وموافقتها لعمومات نفى الحرج التي يشكل ارتكاب التخصيص فيها خصوصا في مثل المقام الا بنص صريح فالمتعين طرح الصحيحتين لو لم يمكن تأويلهما لكن يمكن حملهما على الاستحباب فيما هو الغالب من موردهما كما عن المعتبر وغيره فان الغالب ان الخوف على النفس بمرض شديد أو تلف من الغسل في ارض باردة عند صحة المزاج واعتداله كما هو منصرف السؤال انما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا يجب رعايته حيث إن المظنون فيه على تقدير ان يتعقبه التحفظ من البرد باكثار الثياب والتحمى الصحة والسلامة بل الغالب في مثل الفرض الا من من ضرره الا من أمراض يسيرة من زكام ونحوه مما لا يجب التحفظ عنه بل ربما يكون خوفه من المرض والتلف من تلبيسات النفس وتسويلاتها تنشأ من مشقة الفعل كما يفصح عن ذلك ما لو وقع قهرا في الماء فخرج وتحفظ فإنه لا يخاف عليه عادة من تلف أو مرض شديد والحاصل ان الغالب انه لا يترتب على الغسل في البرد الشديد مع امكان التحفظ خصوصا مع التمكن من اسخان الماء الا المشقة الرافعة للتكليف كما يؤيد ذلك قول السائل في صحيحة سليمان المتقدمة في رجل كان في ارض باردة فتخوف ان هو اغتسل ان يصيبه عنت من الغسل فان العنت المشقة فقول الإمام (ع) في جوابه يغتسل وان اصابه ما اصابه يعنى من العنت واما الخوف من التلف أو المرض الذي يجب التحرز عنه فلا يكون غالبا الا على سبيل الاحتمال الموهوم الذي لا يؤثر في حرمة العمل ولامانع من تنزيل الصحيحتين على مثل الفرض وحملهما على الاستحباب إذ لا يعارضهما [ح] الا عمومات نفى الحرج والصحاح المتقدمة اما العمومات فستعرف انه لا يفهم منها الا الرخصة في التيمم لا وجوبه عينا واما الصحاح فهي أيضا كذلك فإنها وان استملت على النهى عن الغسل لكن لوروده في مقام توهم الوجوب لا تدل الا على جواز الترك وعلى تقدير ظهوره في الحرمة فليس على وجه يطرح لأجله الصحيحتان فالأقوى في الفرض استحباب الغسل والأحوط تركه الا مع الامن من ضرره ولو يسيرا والله العالم وقد اتضح بما تقدم انه لا شبهة في جواز التيمم في كل مورد يكون التكليف بالطهارة المائية غسلا كان أو وضوء حرجيا من غير فرق بين ان يكون ذلك لبرودة الهواء أو غيرها من الأسباب الموجبة لذلك ولو بان خشي الشين الذي يشيق تحمله لكن الاشكال فيما أطلقه المصنف وغيره من أنه لو خشي الشين باستعماله الماء جاز التيمم بل عن ظاهر غير واحد دعوى الاجماع عليه حيث لم نعرف له مستندا عدا عموم نفى الحرج الذي لا يقتضى جوازه الا على تقدير ان يشق تحمله وكون مطلقه كذلك غير معلوم اللهم الا ان يستند في ذلك إلى اطلاقات معاقد الاجماعات المستفيضة الكاشفة عن كون الخوف من الشين في حد ذاته مناطا لجواز التيمم لكن الوثوق بذلك مشكل فان القدر المتيقن من معقد الاجماع ما إذا خشي شيئا يشق تحمله لا [مط] فقد حكى عن موضع من المنتهى وعن جماعة من المتأخرين تقييده بالفاحش وعن جماعة أخرى تقييده بما لا يتحمل بل عن الكفاية انه نقل بعضهم الاتفاق على أن الشين إذا لم يغير الخلقة ويشوهها لم يجز التيمم وكيف كان فلا وثوق بانعقاد الاجماع على أزيد مما يفهم جوازه من أدلة نفى الحرج فالأقوى الاقتصار على الشديد منه الذي يشق تحمله عادة سواء كان الخوف من حصوله أو زيادته أو بطؤ برئه أو شدة إليه ثم إن المراد بالشين على ما صرح به في المدارك وغيره ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلفة من استعمال الماء في البرد وقد يصل إلى تشقق الجلد وخروج الدم وكذا لو كان معه ماء للشرب وخاف العطش على نفسه ان استعمله جاز له التيمم بلا اشكال بل ولا خلاف فيه نصا وفتوى كما يدل عليه مضافا إلى عمومات الكتاب والسنة صحيحة ابن سنان
(٤٦١)