منذ أكثر من عشرين عاما استرعى التفاتي - وأنا أبحث في تاريخ التشريع الإسلامي والعلوم الدينية - الإمام جعفر الصادق سليل البيت النبوي الكريم، وما كان له من شخصية عظمة في الفقه الإسلامي، ومنزلة لا تجارى في عالم الفكر العربي، وفي الجانب الروحي بصفة خاصة فوضعت في ذلك الوقت بحثا تناولت فيه جوانب من سيرته وعلمه، ومنهجه الفكري والفقهي، واستغرق ذلك مني قرابة ثمانين صفحة ثم عرضت الفكرة على أستاذنا المرحوم عبد الوهاب عزام وهو من النفر القليل المشهود لهم في نظري بالقدرة على الجمع بين أخلاق القدماء ومناهج المحدثين ولكن الأستاذ الوقور لم يكد يسمع بعنوان البحث حتى علت وجهه السمح بسمة خفيفة، فهمت منها كل شئ... فهمت أن هذه الشخصية - على الرغم مما تمثله من مكانة عظيمة - هي مما يهم علماء الشيعة أكثر مما يهم علماء السنة، ولو كان ذلك البحث في مجال الجامعة، التي يحب أن تكون أرحب صدرا مما تدعو إليه الطائفية المذهبية من تخصص، أو تفرضه البيئة من مخططات محدودة ضيقة في مجال الفكر.
خامرتني هذه الفكرة أمدا طويلا، وكدت أن أعيش فيها وأخرج بها إلى الناس في كتاب خاص، أرادت أن يكون عنوانه (جعفر الصادق): إمام العلماء الربانيين وأول المبعوثين من المجددين)