نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ٤٦
إن هذا الإحياء الصادق الذي يقوم به علماء الشيعة في صرح الثقافات الإسلامية يعتبر في نظري إنعكاسا لهذه الثورة النفسية التي أشعلت نيرانها السياسية الأموية والعباسية في نفوس شيعة الإمام علي والأئمة من بعده ولقد كان اضطهاد هذه الشيعة بالقدر الذي خامر أعماق الإيمان واستقر في النفوس بحيث توارثه هؤلاء الشيعة في معارج التاريخ كلها وامتزج منهم بالدم واللحم امتزاج الإيمان الصادق في نفوس المؤمنين فالشيعة - من هذه الناحية بالذات - مؤمنون عقائديون، وليس إيمانهم من هذا النوع العميق، والمسلك العقائدي الذي يحياه الشيعة في كل قرن هو - وحده - سر هذا النشاط الملحوظ في دعوتهم، وهو أيضا سر الانبثاقات المتلاحقة في مؤلفاتهم، وهذا الطريق الذي نلمسه في كتاباتهم.
ولو شئنا أن ننصف المؤلف فيها كتبه عن (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) لاستوعب ذلك منا مجلدا، فقد أصدر المؤلف من هذا الكتاب ستة أجزاء كاملة مهد في أولها للتاريخ الإسلامي والأدوار التي لعبها في خلق الأحداث المؤثرة في كيان المذاهب الفقهية، وكيف كانت حياة الإمام الصادق منها، وأين كان يقف المذهب الجعفري، ثم مدى تأثيره في المذاهب الأربعة ومدى ما بينه وبينها من خلافات أكثرها في الفروغ، وقليل منها في الأصول نعم لو أردنا أن ننصف المؤلف فيها أطرف به مكتبة التاريخ، وفيها أطراف به مكتبة الفقه لاستوعب منا ذلك قرابة المجلد الكامل.. ولكننا نكتفي من هذا القدر العظيم بالإشارة السريعة التي ترسم بعض معالم هذه الصورة
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»