وأول ما يسترعي التفاتنا من هذا السفر الضخم شموله وسعة آفاقه واستيعاب أكثر جوانب هذه الشخصية العظيمة، ولعل ذلك راجع إلى سعة اطلاع المؤلف، فلا يكاد يرى رأيا لصاحب رأي حول شخصية الإمام إلا وأتى به، ولا قضية تتصل بالموضوع من قريب أو بعيد إلا وساقها وناقشها في أسلوب أدبى أقرب ما يكون إلى الموضوعية والنهج الفني وأبعد ما يكون عن التحيز المسف والتعصب الأعمى وفي كتاب المؤلف واسترسالاته التحليلية حول هذا الموضوع - نلمس اتزان العالم الحصيف حين يهرع إلى كلمة ويفر بنفسه عن كل ما يشوه هذه الكلمة وإن من يقرأ صدر الجزء الأول من كتابه: (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) يقف على عجالة دقيقة في الخلافة الإسلامية أرسلها المؤلف واضحة المعالم سافرة الأركان، يقرأها القارئ فيخيل إليه أنه يعيش في هذه الحقبة من التاريخ إن هذا الأسلوب العلمي في علاج التاريخ الإسلامي خليق بأن ينال النقاد الحظوة من التقدير، وخليق بأن يكون أساسا لما بعده من مؤلفات إننا في حاجة إلى دراسة التاريخ دراسة علمية، وفي حاجة أشد إلى دراسة المذاهب السياسية والفقهية في صورة أعمق مما وصل في أيدينا لنقول للمحق أحققت وللمخطئ أخطأت، وتشتد حاجتنا إلى هذه الدراسة حين نعلم عن يقين لا يقبل الشك والقدر الذي لعبته السياسة الأموية والسياسة العباسية في تصوير المذاهب الفقهية، وحين نعلم عن يقين لا يقبل الشك مدى ما أصاب الشيعة من عنت، واضطهاد في ظل هاتين الأسرتين الحاكمتين خلال ثمانية قرون كاملة
(٤٥)