نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ٣٩
التفكير الطارئ وعلى التصويب بعد الخطأ وعلى العلم بعد الجهل فإن كثيرا من المفكرين سفهوا عقول الشيعة في نسبة البداء إلى الله سبحانه، والشيعة الإمامية براء مما فهمه الناس عن البداء إذا المتفق عليه عندهم وعند علماء السنة أن علم الله قديم منزه عن التغيير والتبديل والتفكير الذين هو من صفات المخلوقات، أما الذي يطرأ عليه التغيير والمحو بعد الإثبات فهو ما في اللوح المحفوظ بدليل قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ولنضرب مثالا لذلك يبين معنى البداء الإمامية: فلان من الناس كتب عليه الشقاء في مستهل حياته، وفي سن الأربعين تاب إلى الله، فكتب في اللوح المحفوظ من السعداء.
فالبداء هنا محو: اسمه من باب الأشقياء في اللوح وكتابته في باب السعداء أما في علم الله فيشمل جميع تاريخ هذه المسألة من إثبات ومحو بعد التوبة أي أنه سبق في علم الله أن هذا الشخص سيكون شقيا ثم يصير سعيدا في وقت كذا حين يلهمه التوبة.
إن البداء الذي يقول به الإمامية هو قضية الحكم على ظاهرة الفعل الإلهي في مخلوقاته، بما تتطلبه حكمته فهو قول بالظاهر المترائي لنا، وإذن نوجه الإشكال في الذين خطأ والشيعة في قولهم بالبداء إنما جاء من زعمهم أن الشيعة ينسبون البداء إلى علم الله القديم لا إلى ما في اللوح المحفوظ ولذلك بما قدمته لك من بيان ضاف تكون وقفت معي على ما في عقائد الإمامية من وجاهة في قلوبهم بالبداء، وما في تفكيرهم من عمق في الحكم به لأن معناه - في نظري - أن سبحانه يطور خلقه وفق مقتضيات البيئة والزمان اللذين خلقهما وأودع فيها سر التأثير على خلقه ولو ظاهرا
(٣٩)
مفاتيح البحث: الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»