نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ٤٧
العلمية عن الإمام الصادق، معبرين فيها عن مشاعرنا إزاء هذا النهج القويم الذي سلكه المؤلف في سفره الضخم.
ولعل أروع ما يستوقف النظر ويطمئن الناقد على ما بلغه المؤلف من توفيق في هذا الكتاب إرساؤه القواعد في مشكلة الخلافة التي أشرت إليها آنفا، وأنا - في هذا الصدد - أوافق المؤلف أن المشكلة بدأت في خلافة عثمان حين انتهز بنو أمية خلافته فعبثوا بمصائر البلدان الإسلامية ولكني كنت أود أن يبدأ حديث الخلافة ومشكلتها في الصور الجذرية التي بدأت بانتقال الرسول صلوات الله عليه إلى الرفيق الأعلى.
وقد أنصف المؤلف تاريخ الإمام (علي) حين صور المشاكل التي كانت تحيط خلافته من خروج أم المؤمنين (عائشة) إلى مؤامرات (معاوية) وعبثه بشخصيتين كبيرتين هما: (طلحة) و (الزبير) حين بايعهما لا لذاتهما ولا لسبقهما في الإسلام، ولكن ليجعل منهما جسرا لمعارضته وموضوعا لبث أهوائه الشخصية، إلى غير ذلك من المطالبة بدم عثمان، وعلي برئ من هذا الدم.
وقد كانت هذه المشاكل من الكثيرة بالقدر الذي استعصى على فلاسفة التاريخ من عرب ومستشرقين، فأخطأوا فهم شخصية (الإمام علي) ونزعوا عنه صفة السياسة واكتفوا بوصفه بالورع والزهد ولكن اجتهاد الإمام عليه السلام ونزوعه الشديد إلى منهج التوفيق بين الورع في الدين والصراحة في السياسة كان فوق مدارك هؤلاء المؤرخين وكم كنت أود أن يشير مؤرخنا البارع إلى مهاترات المستشرقين، وضحالة تفكيرهم في إدراك معنى (التكامل النفسي) - كما أسميه - في شخصية (الإمام علي) وهو القدر
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»