موسوعة المصطفى والعترة (ع) - الحاج حسين الشاكري - ج ١٠ - الصفحة ٢٠٣
أن يذكر بالصولة، واعلم بأنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر.
فقال المنصور: لقد وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت.
وجاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي أن المنصور وفد على المدينة سنة 144 في طريقه لأداء فريضة الحج فقال للفضل بن الربيع: ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتيني به متعبا، قتلني الله إن لم أقتله. قال الفضل: فتغافلت عن ذلك طمعا في أن ينسى المنصور وتهدأ نفسه، فأعاد علي طلبه ثانيا وثالثا، فلم أر بدا من أن أستدعيه، فأرسلت إليه، فلما حضر قلت له: يا أبا عبد الله لقد أرسل إليك لأمر عظيم وما أظنك بناج منه، فقال الإمام (عليه السلام): لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم دخل على المنصور وسلم عليه فلم يرد السلام وقال له: لقد اتخذك أهل العراق إماما يجبون لك الأموال من الزكاة وغيرها وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل، قتلني الله إن لم أقتلك. فقال الإمام (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، إن سليمان النبي أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف بن يعقوب ظلم فغفر، فاقتد بأيهم شئت.
لم يجد الإمام (عليه السلام) بدا من مقابلته وهو بتلك الحالة من الحقد والغضب عليه إلا بهذا الأسلوب الهادئ اللين الذي هو من أبلغ ما يمكن أن يكون في مثل هذه الحالات.
لقد أراد الإمام (عليه السلام) أن يضع حدا لغضبه فقال له ما مضمونه: إن الله إذا أنعم على عباده استحق شكرهم كما شكره سليمان على نعمه، وأنت محاط بنعم الله من جميع جوانبك، والتنكيل بالأبرياء على الظنة والتهمة كفر وجحود لنعم الله، وإذا كنت تراني بلاء عليك فلو صبرت على هذا البلاء كما صبر أيوب على أسوأ
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»