بخفاء، حتى أن الأمر كاد أن يستتب له لولا إخلال بعض أصحابه بالسرية وإفشاؤهم عنه ما لا يريد إفشاءه. فقال لابن النعمان: " فلا تعجلوا، فوالله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذعتموه، فأخره الله، والله ما لكم سر إلا وعدوكم أعلم به منكم " (1).
ولقد عاب الإمام (عليه السلام) بعض أصحابه دفاعا عنهم وحفظا لدمائهم، فقد عبر في رسالته إلى زرارة بن أعين التي بعثها إليه عن تلك الدوافع بقوله: " إني إنما أعيبك دفاعا مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه ونقربه، ويرمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون إدخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كل من عبناه نحن وإن كنا نحمد أمره... فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك، ويكون بذلك منا دافع شرهم عنك. يقول الله جل وعز:
(أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) " (2).
وزاد من غضب المنصور إيواء الإمام الصادق (عليه السلام) الحسين بن زيد بن علي إليه لأنه شهد الثورة مع محمد وإبراهيم. ولقد كان الإمام (عليه السلام) على غاية من الحكمة والدراية في معاملته مع المنصور، وكان يعرف كيف يؤثر عليه وعلى سياسته التي كان ينتهجها. وقد أنذره يوما بزوال ملكه إن هو قتل أو أهرق دم أحد من أهل البيت. فقال له: " لم ينل منا أهل البيت دما إلا سلبه الله ملكه " فغضب لذلك واستشاط، فقال له الإمام: " على رسلك، إن هذا الملك كان في آل أبي سفيان، فلما قتل