راحت أخبار الظلم المرير تصل الإمام، وتنهال عليه وقائع غارات معاوية وتهور جنده واستهتارهم وضحكاتهم المجنونة، فاهتاجته هذه الحال، والتاعت نفسه وفاضت لها غصصا وهو يتأوه من الأعماق، ولكن لا من مجيب!
وهكذا مضى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يتمنى الموت مرات ومرات!
بيد أنه لم يهن ولم تضعف عزيمته لهذه الرزيئة، ولم يذعن إلى الواقع المرير، بل مضى قويا شامخا مقداما لم يتخل عن المقاومة حتى آخر لحظة من عمره.
أجل، هذا أمير المؤمنين يثب كالمنار المضئ آخر أيام حياته وهو يهيب بالناس العودة إلى صفين مجددا، وقد استنفر بكلماته المفعمة بالحماس جيشا عظيما إلى هذه المهمة. فما أن انتهى من خطبته - وكانت الأخيرة - إلا وعقد للحسين بن علي (عليه السلام) ولقيس بن سعد وأبي أيوب الأنصاري لكل واحد في عشرة آلاف مقاتل.
لكن وا أسفا! فقد أودت واقعة استشهاد الإمام (عليه السلام) واغتياله من قبل شقي " متنسك " بقواعد هذا البرنامج، فانهار ما دبره الإمام لاستئصال فتنة الشام واجتثاثها من الجذور؛ إذ ما لبثت أن تداعت الجيوش بعد مقتل الإمام وتفرقت.
لقد توفر هذا القسم على تفصيل هذه اللمحات التي جاءت هنا مختصرة، وغاص بالبحث والتحليل مع جذور هذه الوقائع وأجوائها