مصائب الزمان ودواهيه.
في تلك البرهة الحالكة من الزمان سقطت مصر؛ فغاب عن الإمام مالك الأشتر؛ أطهر الرجال، وأكفأ القادة، وأشجع الخلان، وأوفاهم بعد أن ارتوى بشهد الشهادة. فانكمش قلب الإمام، وأصيبت روحه الطهور، والألم يعتصره من كل جانب.
هذا القسم رحلة تسجل وحدة الإمام، وهو منظومة رثاء تعزف لظلامة علي، كما هو انعكاس لأصوات غربته المتوجعة التي راحت تند عن نفسه الطهور.
وهذا القسم يسفر عن مشهد آخر ليس له شبه بالمشهد الأول الذي رافق بداية عهد الإمام. فالناس لم تعد على استعدادها الأول لحضور الجبهات، كما لم تعد تستجيب لنداءات الإمام وهتافاته للجهاد والنفير.
والذي يتفحص ما كان يبثه الإمام مرارا من شكوى، يرى فيه خصائص لأهل ذلك العصر وقد آثروا حب الحياة، وراحت أنفسهم ترنو إلى الدنيا، وتصبو إليها.
في أوضاع كالحة كهذه استعرت بالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عواطفه النبيلة، وثارت بين جوانحه أحاسيسه الطهور؛ فملأت نفسه ألما وغضاضة وهو ينظر إلى جند معاوية تغير على المدن المرة تلو الأخرى؛ تزهق أرواح الأبرياء، وتمارس النهب والسلب، وتبث بين الآمنين الرعب والدمار.