وذلك في حديث الدار، الذي أجمع على صحته نقاد الآثار، حين جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بني عبد المطلب في دار أبي طالب، وهم أربعون رجلا، يومئذ يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة، وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مد من البر، ويعد لهم صاع من اللبن، وقد كان الرجل منهم معروفا بأكل الجذعة (1) في مقام واحد، ويشرب الفرق (2) من الشراب في ذلك المقام، وأراد (عليه السلام) بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه.
ثم أمر بتقديمه لهم، فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملؤوا منه، فلم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه، فبهرهم بذلك، وبين لهم آية نبوته، وعلامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه.
ثم قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب: يا بني عبد المطلب! إن الله بعثني إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فمن يجبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه وعلى القيام به، يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي. فلم يجب أحد منهم.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): فقمت بين يديه من بينهم... فقلت: أنا - يا رسول الله - أؤازرك على هذا الأمر، فقال: اجلس، ثم أعاد القول على القوم ثانية فأصمتوا،