وأنت تعلم أنه بلد قد قتل فيه أبوك واغتيل فيه أخوك وقتل فيه ابن عمك وقد بايعه أهله، وعبيد الله في البلد يفرض ويعطي والناس اليوم عبيد الدينار والدرهم، فلا آمن عليك أن تقتل، فاتق الله وألزم هذا الحرم، فإن كنت على حال لابد أن تشخص فصر إلى اليمن فإن بها حصونا لك وشيعة لأبيك فتكون منقطعا عن الناس.
فقال الحسين (عليه السلام): لابد من العراق.
قال: فإن عصيتني فلا تخرج أهلك ونساءك فيقال: إن دم عثمان عندك وعند أبيك، فوالله ما آمن من أن تقتل ونساءك ينظرن كما قتل عثمان.
فقال الحسين (عليه السلام): والله يا ابن عم لئن اقتل بالعراق أحب إلي من أن اقتل بمكة، وما قضى الله فهو كائن ومع ذلك أستخير الله وأنظر ما يكون ".
ترى إنه ما ترك ابن عباس شيئا لم يقله، وكان عالما بأن الحسين في خروجه على الكيفية المعلومة مشرف على القتل، ولكن الذي خفي على ابن عباس هو علم الحسين (عليه السلام) بذلك، فلم يزوده جديدا من العلم ولا كشف له عن شيئا محجوبا عليه، وأخيرا لم يدرك الغاية من نهضته أو أدركها على خلاف حقيقتها حيث تصوره قائما لتغيير الحكومة وتبديلها من أموية إلى علوية، وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه جل من عارض الإمام (عليه السلام)... وصاحوا على أثره: ألا تتقي الله تعالى، تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة؟
فقال الحسين (عليه السلام): " لي عملي ولكم عملكم... ".
وهذه الجملة الحسينية توضح أن الحسين يعلم أين يضع قدمه، فما هو بقادم على مجهول.
ولما صار بذات عرق لقيه رجل من بني أسد يقال له بشر بن غالب فقال له الحسين (عليه السلام):
" ممن الرجل؟ ".
قال: من بني أسد.
قال: " فمن أين أقبلت؟ " قال: من العراق.
قال: " فكيف خلفت أهل العراق؟ ".
فقال: يا ابن رسول الله، خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية.