فقد أراد الإسلام أن يسمو بهذا الكائن إلى مصاف الملائكة فصيرته سياسة حكامه إلى حضيض البهائم والعجماوات. وجاء الحسين (عليه السلام) بثورته الخالدة فاسترد الخلق المصادر وليس الأرض، وأنقذ الأدب وليس الحكم، وانتشل من مستنقع السياسات الضالة شخصية المسلم ووضعه على الجادة الوسطى وشحنه بالفضائل الجهادية، فطارت به قواه وحلقت به ملكاته الفاضلة إلى مصاف الملائكة ثانية، وذلك بأخلاقيات ثورته وتضحية أنصاره وجهاد أعوانه، وصارت كربلاء ثورة هي في الحقيقة قانون جهادي أخلاقي يستطيع من يحسن استعماله أن يغير به نظام العالم ويحرر به أمما وينقذ شعوبا.
والفرق بين نظام الدولة ونظام الأخلاق أن الأولى تفضي إلى تجميد قانون الجهاد بما يحيط بها من مشاكلها، والثانية تبقي هذا القانون حيويا فاعلا في الأمة متحركا في ضميرها يهتز بالحياة والنشاط كلما واتته ظروف الثورة على الواقع المرهق، فهل حصل المرجو من ثورة الحسين (عليه السلام) وهل نالت الأمة هذا الدفق المتفجر في ذاتها من قانون الجهاد الحسيني؟
أجل، لقد وعت الأمة ذاتها بعد ثورة الحسين، وميزت بين عدوها وصديقها، وثارت على واقعها المفتعل بأيدي حكامها عدة ثورات، ولا زال قانون الجهاد الحسيني يشدها إلى الثورات وسيبقى كذلك إلى أن تطهر الأرض من رجس العدى. وهكذا فإنه إذا كان بعض قد ذهب إلى تقليد الحسين في ثورته ونسي أخلاقه الحسنة وأهدافه السامية، وبعض آخر قد حصر الحسين في أخلاق فردية ودموع بلا رسالة حضارية، فإني أذهب إلى رأي جامع بينهما، وهو أن الحسين معلم الأخلاق الرسالية الشاملة، وعلى هذا الرأي قد ربى (عليه السلام) تلاميذه وأصحابه وكل من ينتمي إليه على امتداد الزمن.
وكان الحسين...
نعم.. وكان الحسين (عليه السلام) لتكون تلك الأخلاق المحمدية العلوية متلألئة في حسنها وجمالها وديموميتها.
وكان الحسين (عليه السلام) لتكون الفضائل السلوكية دوما تنادي إلى الحياة الطيبة وتبشر بها الفرد والأسرة والأمة.