من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ٥٦
فقال له الحسين: " صدقت يا أخا بني أسد، إن الله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ".
فقال له الأسدي: يا ابن رسول الله، أخبرني عن قول الله تعالى: * (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) *؟
فقال له الحسين (عليه السلام): " نعم يا أخا بني أسد، هما إمامان، إمام هدى، دعا إلى هدى، وإمام ضلالة، دعا إلى ضلالة، فهذا ومن أجابه إلى الهدى في الجنة، وهذا ومن أجابه إلى الضلالة في النار ".
فلم يظهر من الإمام (عليه السلام) إلا الإصرار على التقدم شطر العراق، مما يدل على أن هدفه هو الشهادة الأخلاقية الفريدة من نوعها والتي سوف يقيمها على مساحة من الأرض قليلة وفي صحراء نائية عن العمران بعيدة عن حركة الناس، هي صحراء كربلاء، ولكنها ستكون بمنزلة الكتاب الذي يقلب حياة الأمم من حالة بهيمية ميتة إلى أخلاقية حية. وكتب الإمام الحسين (عليه السلام) كتاب الجهاد والشهادة على أرض كربلاء واحتوى على فصول وأبواب، كل فصل منه وكل باب كذلك عالم مضئ من الأخلاق وقيم الشهادة النبيلة...
وتدفقت معاني هذا الكتاب خطبا على ألسن الخطباء، وأدبا على ألسن الشعراء، ودمعا من عيون أهل الولاء، وفي كل موجة من هذا العالم الزاخر بالمعاني حركة دفع للأمة نحو الأفضل (1).
أجل فالهدف الحقيقي لثورة الحسين (عليه السلام) هو إقامة دولة الأخلاق في الجماعات الإسلامية، تلك الأخلاق التي كانت قبل الإسلام بين الإفراط والتفريط فأقام لها النبي (صلى الله عليه وآله) الصيغة الصحيحة وجعلها وسطا، وبني الأمة الإسلامية على أساسها ورفع ضراح حضارتها انطلاقا من هذه القواعد الأخلاقية، ولكن الأمة جهلت هذا كله، حين آثرت جماعة منها الذين لم ينق الإسلام ذواتهم من جاهلياتهم القديمة، فقدمتهم على القادة الحقيقيين فأسؤوا السيرة وخالفوا الشرع وتنكروا للمثل وردوا الكثير من قيم الأدب الإسلامي واتبعتهم الأمة اتباع الفصيل إثر امه تقليدا للحاكم واقتفاء لأثره، وحينئذ استحالت الشخصية الإسلامية إلى كائن غريب وحشي على الإسلام هو أدنى إلى البهائم الراتعة منه إلى الإنسان السوي.

1 - المصدر المذكور في المتن.
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»