وانفجر ابن الحنفية بالبكاء، ولن تفوت الإمام (عليه السلام) هنا الضرورة الأخلاقية تجاه أخيه الناصح فشكر نصيحته وقال: " يا أخي: جزاك الله خيرا لقد نصحت، وأشرت بالصواب، وأنا عازم على الخروج إلى مكة، وقد تهيأت لذلك أنا وأخوتي وبنو أخي وشيعتي، أمرهم أمري، ورأيهم رأيي، وأما أنت فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا، لا تخف عني شيئا من أمورهم " (1).
وزاده ثقة واحتراما حينما عهد إليه أيضا بوصيته الخالدة، وقد تحدث فيها عن أسباب ثورته الكبرى على حكومة يزيد وجاء فيها:
" هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية، ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وان الجنة حق، والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور.
وإني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين. وهذه وصيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " (2).
أنظر إلى حالة الاستماع في الحسين (عليه السلام) وهو ثابت على رأيه، فالحوار من مبادئه الأخلاقية، ثم الوصية إلى أخيه وفيها معاني الثبات على العقيدة والهدفية والصبر والتوكل.
* الدروس المستفادة هنا:
1 - نبذ الاستبداد بالرأي واجب أخلاقي.
2 - الشكر للناصح رغم عدم قبول رأيه.
3 - التشاور مع العقلاء قيمة أخلاقية ومطلب حضاري.