من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ١٤٨
لابنك غلام سفيه يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب. ولا أعلمك إلا قد خسرت نفسك وأوبقت دينك وأكلت أمانتك وغششت رعيتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت التقي الورع الحليم وتبوأت مقعدك من النار، فبعدا للقوم الظالمين. والسلام على من اتبع الهدى " (1).
إن موقف الإمام الحسين (عليه السلام) هذا الذي أبداه في جواب معاوية، أربك معاوية بحيث فوجئ به، وهو في أواخر أيامه، وقد إستنفذ كل الجهود واستعد ليجني ثمارها، فإذا به يواجه " أسدا " من بني هاشم يثور في وجهه، ويحاسب على جرائمه التي تكفي واحدة منها لإدانته أمام الرأي العام، فكان يقول: " إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسدا ".
إن الحسين (عليه السلام) باتخاذه هذا الموقف من معاوية، وضع أمام إنجازاته حجرة عرقلت سيرها، وأوقفت إنتاجها السريع، مما جعل معاوية يفكر ويخطط من جديد، ولكن كبر السن لم يساعده، والأجل لم يمهله، وإن كان قد فتح للحسين صفحة في وصاياه لابنه من بعده (2).
ومن حق معاوية هنا أن لا يتذكر كلمة خالدة قالها رسول الله في سبطه الحسين " حسين مني وأنا من حسين " وأنى لمعاوية أن يتذكر وقد نسي ذكر الله فأنساه الله ذكره ومودة أهل الذكر معا. ولو كان لعرف ذلك لتذكر أن الحسين أولى من يطبق كلمة جده: " أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر " فرسالة الحسين (عليه السلام) إحياء لهدف البعثة النبوية الشريفة التي عنونها النبي (صلى الله عليه وآله) وهو صاحب الخلق العظيم قائلا: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
فجهاد الحسين (عليه السلام) مثل جهاد النبي (صلى الله عليه وآله) يصب مؤداه إلى إتمام مكارم الأخلاق. وقد أماتها معاوية باحيائه للجاهلية. فكان لابد من الحسين السبط وهو الامتداد الرسالي لجده الرسول الكريم. فالرسول (صلى الله عليه وآله) واجه أبا سفيان، بينما الإمام علي والحسن (عليهما السلام) واجها معاوية، وكان الحسين في وجه معاوية ويزيد. تأمل في طبيعة هاتين المواجهتين لتعرف الحق وأهله على طول الحياة.

1 - الحسين (عليه السلام) سماته وسيرته: ص 116 - 120 نقلا عن تاريخ ابن عساكر.
2 - نفس المصدر.
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»