رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعهود إلى المسلمين أن أكون خليفة فيهم بلا فصل، فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدمين، وتفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة. وهذا القول من الإمامية دعوى لو عضدها دليل لوجب أن يقال بها، ويصار إليها، ولكن لا دليل لهم على ما يذهبون إليه من الأصول التي تسوقهم إلى حمل هذا الكلام على التقية (1).
نقد كلام ابن أبي الحديد:
وليس ابن أبي الحديد مصيبا فيما يراه من دلالة كتاب علي عليه السلام على شرعية مبدأ الاختيار.
ونستطيع أن نفهم هذه الحقيقية من خلال نقطتين:
النقطة الأولى: أن الإمام عليه السلام ليس بصدد بيان رأيه في شرعية البيعة والاختيار في هذا الكتاب وإنما يخاطب بهذا الكلام معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية لا يعترف بالنص، ولا يريد أن يتخلى عن ولاية الشام، ويطمع في إمرة المؤمنين، ولا طمع للإمام في أن يقنع معاوية بن أبي سفيان بوجهة نظره ورأيه في الإمامة، ولا طمع للإمام في أن ينصاع معاوية للحق فهو عليه السلام يعلم أن معاوية مقدم على التجني عليه وعلى المسلمين فيقول له في هذا الكتاب نفسه، فتجن ما بدا لك والسلام.
وإنما يريد الإمام في هذا الكتاب أن يلزم معاوية أمام الملأ من أهل الشام بإمامته وطاعته ولزوم بيعته وحرمة مخالفته بما يلتزم به، فقد انعقدت له الإمامة بما انعقد من قبله للخلفاء الثلاثة.